2010/11/04

هل الدواء كافٍ


يقول أحد المفكرين " إذا استطعنا رمي ما ابتكرناه من أدوية في قاع البحر فسيكون هذا أفضل ما نفعله للجنس البشري وإن كان أسوأ ما نفعله للأسماك "
لاشك أن هذا القول يحمل قدراً كبيراً من الصحة، ولا نكاد نبالغ كثيراً ونحن نطلق على عصرنا هذا عصر الأدوية. إذ لا يكاد يخلو بيت من الدواء ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن يتناول أحد أفراد الأسرة دواء، بل طال الأمر ببعض الناس حداً حتى لا يكاد يمر في حياتهم يوم لا يتناولون الدواء فيه، حتى يطال ما يستهلكه البعض من دواء الكيلوجرامات سنوياً. إن هذا إدمان من نوع جديد يعتري حياتنا لا يقع ضمن إطار ما تعارفنا عليه من أنواع الإدمان، إنه نوع جديد تبيحه القوانين رغم ضرره، ربما يرجع سببه إلى مايعتري حياة الإنسان اليوم من قلق مستمر نتيجة وتيرة الحياة السريعة . فلا نجد أحداً يتوانى عن أخذ الدواء، ألم الرأس تلك الاستجابة الطبيعية للإرهاق الجسدي والنفسي لا نكاد نعطيها فرصة لتنبيهنا حتى نبادر نسكتها بحبوب الأسبرين متناسين أنها في معظم الأحيان دعوة لإراحة الجسد وليست طلباً للمسكنات، وهذه الحرقة المعِدية ما نكاد نشعر بها حتى نسارع لمضادات الحموضة نبتلعها غير آبهين بتغيير نظامنا الغذائي الذي كان سبباً وراء ما حدث، وهكذا تستمر حياتنا، فلا طالب مدرسة يدخل الامتحان بلا مهدئات ولا أم ترضع طفلها بلا مدعمات، ولا رياضي يمارس لعبته بلا مقويات، ولا العجوز يعايش الروماتيزم بلا مسكنات. ليصبح عدد ما نستهلكه من حبات الدواء هو التقويم الذي نعرف به أيام الأسبوع.
ليست جميع الأمراض تحتاج دواء، وليست جميع الأدوية أقراصاً وحقنناً نتناولها كل يوم، فهناك أمراض عارضة لا تحتاج علاجاً وهناك أمراض يمكن الاكتفاء لعلاجها بتغيير أسلوب حياتنا. ففي حالات مرض ارتفاع ضغط الدم مثلاً نجد معظم مرضاه يتناولون الأقراص بصفة يومية، في حين أن هذا لا يمكن بأي حال أن يكون الخطوة الأولى في العلاج فالبداية يجب أن تكون بإنقاص الوزن مع القيام بالتمارين الرياضية والإقلاع عن التدخين والامتناع عن المشروبات الكحولية والحد من إضافة الملح للطعام. فكم من مرضى ارتفاع ضغط الدم يعايشون مرضهم ويعايشهم في سلام لمجرد التزامهم هذا الأسلوب الصحي في تعاملهم مع مرضهم، إلا أن معظم المرضى يجدون تناول الدواء أسهل بكثير من اتخاذهم هذا السبيل، كما أن بعض الأطباء يجد كتابة الوصفة الطبية أسهل بكثير من محاولة تغيير الأسلوب الحياتي للمريض، وربما كان لمرضانا دوراً في إدمان الأطباء كتابة الوصفات الطبية، لأنهم وكما جرت العادة لن يرضيهم الخروج من عند الطبيب بدون وصفة في يده، و من الصعب اليوم إيجاد طبيب يهتم بعلاج مرضاه من خلال تغيير أسلوب حياتهم لا من خلال الأدوية. لكن مازال المريض يستطيع خلق فرصة لهذا إذا طلب من طبيبه النصيحة حول طريقة علاج مرضه دون الالتجاء إلى العقاقير الطبية إذا كان ذلك ممكناً.
وحتى الدواء الذي يصفه لنا الطبيب سيظل بحاجة إلى ما يدعمه من سلوكنا الحياتي، فالالتهابات الروماتزمية لن تفيد الأدوية في تسكين آلامها إذا لم تصاحبها الراحة التامة، وضغط الدم لن تفلح الأدوية في حفظه عند المستوى المطلوب إذا لم ندعم دورها بنظام غذائي وحياتي محدد، ومريض السكر الذي يلتزم أخذ حقن الأنسولين بانتظام قد يجد العلاج عاجزاً بعد سنوات عن أداء دوره كما يجب، إذا لم يحافظ المريض على وزنه ضمن الحدود الطبيعية ويتقيد بالنظام الغذائي المحدد له.
وهكذا نرى أن العلاج بالعقاقير لا يمكن أن يكون كافياً إلا لعلاج أعراض محدودة ومحددة، إلا أن معظم الأمراض وللأسف تفتقر إلى مثل هذا التحديد في أعراضها وحقيقتها. الأمر الذي يجعل علاجها يحتاج بالإضافة إلى تناول الدواء الموصوف من قبل الطبيب التزاماً من المريض بالأسلوب الحياتي الذي يقرره له طبيبه في سبيل دعم العلاج بالعقاقير.

ليست هناك تعليقات: