2019/07/20


الجرب مازال يهدد
دليل الوقاية و العلاج لحالات الجرب

الجرب مرض جلدي معدٍ شائع يصيب قرابة ثلاثمائة مليون كل عام من الأغنياء والفقراء من كل الشعوب.
مهما كان وضعك الاجتماعي و المالي و مهما كان حرصك على النظافة الشخصية، ستظل عرضة للإصابة بالجرب نتيجة الاختلاط بالمصابين أو نتيجة إقامتك في فندق أو شقة مفروشة لا تلتزم طرق وقائية مناسبة، أو نتيجة مبيتك عند صديق مصاب بالمرض، أو سبق أن أقام لديه شخص مصاب بالجرب.
تكثر حالات الجرب في أماكن العمل المزدحمة و بين نزلاء السجون، و يحدث الجرب بنسبة أعلى و يكون أكثر شدة عند المشردين و عند المرضى الذين يعانون نقصاً بالمناعة كمرضى الإيدز.
عُرف الجرب منذ 2500 سنة، و كان الرومان القدماء يعالجونه بالكبريت. و في عام 1687 م اكتشف جيوفاني كزيمو بونوموGiovanni Cosimo Bonomo  أن المرض سببه عثة صغيرة تعرف بالقارمة الجربية  Sarcoptes Scabiei

مسبب المرض:
عديد المرضى يسألني أن يشاهد الكائن الدقيق غير المرئي القادر على هزيمتهم بما يسببه لهم من حكة يعانونها كل ليلة. اعتذر منهم لأن تجربتي مع بعض المرضى تمنعني اليوم أن أحقق لهم مرادهم. فمن رأى تلك العثة من المرضى، أصابه رعب شديد. أحدهم غادرني دون أن ينبس ببنت شفه، و لم أره منذ ذلك اليوم. لهذا تجدني اليوم، أمتنع عن أن أري مرضاي سبب مرضهم. و أكتفي بوصفه لمن أراد التعرف عليه.
يحدث المرض نتيجة الإصابة بعثة (mite)  القارمة الجربية Sarcoptes scabiei  التي تتميز بصغر حجمها الذي لا يجاوز ثلث المليمتر، الأمر الذي يُعيق رؤية هذه العثة بالعين المجردة. لونها أبيض لؤلؤي لها ثمان أرجل، و لا عيون لها. و تكفي 10-12 منها لإحداث حكة ليلية تبعد عنك النوم و تجعلك في حرج ممن يراقبك وأنت تهرش جلدك دون ملل. أما في الجرب النرويجي [1]Norwegian scabies الذي يصيب المشردين و من يعانون نقصاً بالجهاز المناعي فتحتوي أجسادهم الآلاف من عث الجرب.
يحدث التزاوج بين  ذكر العثة و أنثاها على سطح الجلد، ليموت الذكر، تاركاً الأنثى مخصبة منتجة البيض طول حياتها التي تمتد بين شهر و شهرين. تواصل الأنثى رحلتها، فتحفر نفقاً دقيقاً في الطبقة السطحية للجلد، و تظهر هذه الأنفاق للناظر كخطوط رفيعة ً رمادية اللون علي سطح جلد الشخص المصاب، وبالفحص المجهري لمحتويات هذه الأنفاق يمكن رؤية الطفيليات البالغة والبيض الذي تضعه.
تضع الأنثى بيضها في الأنفاق التي حفرتها بمعدل ثلاث بيضات كل يوم على مدار شهر، يفقس البيض بعد 4 أيام لتخرج الحشرات الجديدة في صورة يرقات  تتجه إلى سطح الجلد فتتزاوج وتغزو الجلد من جديد.

انتقال العدوى:

الجرب مرض معدٍ، ينتقل عادة بالملامسة المباشرة لجلد شخص آخر مصاب بالمرض أو من خلال المعاشرة الجنسية، لذلك نجده يصنف في عديد المراجع ضمن قائمة الأمراض المنقولة جنسياً.
ينتقل الجرب كذلك  بملامسة  أو استخدام الفرش و البطاطين والأغطية والملابس و مناشف الاستحمام التي يستعملها المصاب أو استخدمها خلال الثلاثة أيام الماضية، والتي تحمل عثة الجرب. حيث أن العثة المسببة لمرض الجرب تستطيع العيش بعيداً عن جسم الإنسان من 48-72 ساعة. الأمر الذي يسبب انتشار المرض وسهولة إصابة أفراد الأسرة به.
و ينتشر المرض بسهولة في الأماكن المزدحمة كالحمامات العامة وفي دور العجزة و المسنين، و في الفنادق و الشقق المفروشة التي لا تتمتع بإجراءات وقائية كافية.
و يتميز الجرب بفترة حضانة طويلة فد تفوق الشهر، يكون خلالها الشخص المصاب ناقلاً للعدوى للآخرين دون أن تظهر عليه الأعراض. و تختلف الفترة الزمنية بين انتقال العدوى و ظهور الأعراض، فالشخص الذي سبق إصابته بالجرب ستظهر عليه الأعراض مبكراً خلال 3-4 أيام، أما الشخص المصاب بالجرب لأول مرة، قد يتأخر ظهور الأعراض لديه قرابة الشهر.
و في حال إصابة شخص في العائلة ترتفع احتمالية انتقال العدوى لباقي أفراد العائلة، لذلك يتم في العادة علاج العائلة بالكامل حتى أولئك الذين لم تظهر عليهم أعراض المرض بعد.

أعراض المرض:
يظهر المرض في صورة طفح جلدي مصحوب بحكة شديدة في أجزاء كثيرة من الجسم، خاصة بين الأصابع و في منطقة الرسغين ومقدم الإبطين و في منطقة الحزام و الركبتين من الخلف و حول السرة.
في المرأة يظهر الطفح علي الحلمتين والصدر، وفي الرجل يظهر علي القضيب وكيس الخصية (الصفن) كعقد أو بثور حمراء.
أما في الأطفال تظهر أعراض المرض في صورة طفح في الأطراف وعلى الوجه وراحة اليد وباطن القدم بالإضافة للأماكن المعتادة للجرب.
لا يتسبب عث الجرب في نقل أمراض أخرى، لكن و في حال عدم علاج الجرب سريعاً، سيتسبب الهرش الشديد في حدوث خدوش بالجلد مما يجعله عرضة للالتهابات البكتيرية، التي تظهر في صورة فقاقيع متقيحة.
و تتميز الحكة المصاحبة للجرب بزيادة حدتها ليلاً و عند تدفئة الجسم. إلا أنه يجب ملاحظة أن الحكة الليلية ليست مقتصرة على الجرب كما يعتقد البعض، فهناك العديد من الأمراض تتميز بالحكة الليلية كتلك المتأتية نتيجة أمراض داخلية.
و في غالب الأحوال لا تظهر الحكة المميزة للجرب إلا بعد عدة أسابيع من انتقال العدوى.

الوقاية:
·       عدم مشاركة الفراش و البطاطين والملابس و المناشف مع الآخرين، حيث أن عث الجرب يمكن أن يعيش حتى 3 أيام في الملابس و الفرش معتمداً على بقايا الخلايا البشرية الملتصقة بهذه الملابس.
·       عدم استخدام فراش أو بطانية سبق استخدامهما من شخص آخر.
·        الحذر عند الإقامة في الفنادق و الشقق المفروشة لأنها من أهم مصادر الإصابة بالعدوى. و قد يفيدك الاطلاع على تقييمات النزلاء الذين سبق لهم الإقامة في ذات الفندق الذي تنوي الإقامة به، و ستجد مثل هذه التقييمات متاحة بالمواقع السياحية على الانترنت.
·       في حال إصابتك بحكة يجب طلب الاستشارة الطبية سريعا لتجنب انتقال المرض لباقي أفراد العائلة.
·       في حال إصابة أحد أفراد العائلة بالجرب، فأن المرض سينتقل لباقي أفراد العائلة في غالب الحالات لذلك وجب علاج كل أفراد العائلة، حتى و إن لم يكن لديهم أية أعراض.
·       أدوية الجرب فعالة و سريعة المفعول بشرط التقيد بتعليمات الطبيب.
·       ملابس الشخص المصاب يجب غليها. طيلة فترة العلاج، أما الغسل بالمياه الساخنة فلا يكفي إلا إذا طالت درجة الحرارة 60 درجة مئوية، و يجب كي الملابس جيداً بعد أن تجف بما في ذلك الملابس الداخلية.
·       إذا كنت مصابا فتجنب أخذ ملابسك للمغسلة العامة كي لا تساهم في انتقال المرض.
·       الملابس التي تخشى تلفها في حال غليها، يمكن عزلها بوضعها داخل كيس بلاستيكي محكم الإغلاق و تترك جانبا لمدة أسبوع، بعد ذلك يتم غسلها و كيها دون إفسادها بالماء المغلي.
·       أثناء الاستحمام قبل استخدام العلاج يجب استخدام ليفه أو أسفنجه أو قطعة قماش خشنة، و يجب التخلص منها بعد كل استحمام ـ أي تستخدم لمرة واحدة فقط.
·       الفراش و البطاطين التي يتعذر غليها يتم عزلها و عدم استخدامها في أي وقت من أي شخص لمدة أسبوع على الأقل...
·        تنظيف الغرفة بالمكنسة الكهربائية بشكل دوري، و يجب أن تفرغ حقيبة المكنسة الكهربائية تماماً داخل كيس بلاستيكي يحكم إغلاقه، و تغسل حقيبة المكنسة جيداً خارج المنزل، و يجب ارتداء القفازات طيلة القيام بهذه الأعمال.

العلاج
مرض الجرب ليس صعباً في علاجه، و إن وجدنا بعض الصعوبة في تنفيذ الإجراءات المصاحبة للعلاج.
فقط قم بحمام كالمعتاد مستخدماً الليفه والصابون، و أرمي الليفة بعد انتهاء الاستحمام فكل حمام نستخدم ليفة جسم جديدة.و بعدما تنهي حمامك قم بالتنشيف جيداً، و أدهن جسمك بالعلاج الذي وصفه لك الطبيب، من أعلى الرقبة و حتى أسفل القدمين دون أن تترك أيما نقطة من جسدك بلا دواء. نم بعد ذلك في سريرك و دع العلاج يمارس عمله طيلة 12 ساعة بقتل كل عثة و إن كانت داخل ما حفرت من أخاديد في جلدك. لكن إذا غسلت يديك لأي سبب تذكر أن تُعيد دهنها بالعلاج من جديد.
ملابسك و فراشك لا شك تحوي عدداً من عث الجرب، و لو استخدمت ذات الفراش أو ارتديت ملابساً سبق أن إرتديتها خلال الأربعة أيام الماضية، فإن عُث الجرب سينتقل لجسدك و يصيبك بالمرض من جديد. لذا أعزل فراشك القديم بعيداً عن الاستخدام لمدة لا تقل عن أربعة أيام، وقم بغلي الملابس التي سبق استخدامها خلال الأربعة أيام الماضية. أمور قد يراها البعض صعبة، لكنها السبيل الوحيد لتخلصك من المرض.
هناك العديد من المراهم و المحاليل التي يمكن استخدامها لعلاج الجرب:
-         مرهم الكبريت:
-         كريم البيرمثرين 5%: permethrin
ويدهن به كل 12ساعة لمدة اسبوع. ويمكن أن يدهن به الرأس والرقبة ولا يستعمل للرضع أقل من شهرين.
-         الليندين lindane : دواء فعال استخدم منذ مدة طويلة، لكنه لم يعد يستخدم الآن لأنه دواء غير آمن، يسبب مضاعفات على الدماغ . و يمنع استخدامه للحوامل و المرضع و الأطفال مادون السنتين
-         غسول البنزيل بنزويت Benzyl Benzoate 25%
-         محلول المالاثيون Malathion 0.5%..
-         دهان كروتاميتون Crotamiton (Eurax)
-         زيت شجر الشاي Tea tree oil .
-         تناول اقراص إفيرمكتين ivermectin
وفقاً لحالة الشخص المصاب بالجرب و عمره  و صحته العامة يقوم الطبيب بوصف الدواء المناسب. و العلاج يكون لجميع  أفراد العائلة حتى ولو لم تظهر عليهم أعراض المرض. مع مراعاة النظافة العامة والاستحمام يومياً بالماء والصابون وتغيير أغطية السرير وغسلها. وتنظيف المكان الذي ينام به المصاب والأثاث والسجاد بالمكنسة الكهربائية لتشفط البيض والحشرة ويفضل أن ينام المصاب وحيدا بالسرير. و الغيارات توضع في أكياس نايلون معزولة عن ملابس الآخرين. و يجب ملاحظة أن المطهرات لا تقتل الحشرة ولكنها تقتل بالغليان والكي والمبيدات الحشرية.
·       قبل الشروع في الاستحمام يحب إزالة أي خواتم باليد و الساعة و أي أساور حول المعصم
·       ليكون العلاج مؤثراً يجب دهن الجسم وهو جاف وبارد.
·       الدهان يكون لكافة أجزاء الجسم من الرقبة حتى أسفل القدمين ، مع التركيز على المناطق مابين أصابع اليدين و القدمين و منطقة الرسغ و الإبط و المناطق التناسلية و الأرداف و راحة اليدين وباطن القدمين.
·       المصاب يحتاج إلي شخص يعاونه في دهان المناطق التي لا يطالها من الجسد كالظهر وبين الكتفين.
·       يجب قص أظافر اليدين و الدعك بفرشاة يوضع عليها الدواء تحت الأظافر، لعلاج ولتنظيف الأظافر للتخلص من الحشرة أو البيض، لكي لا تعدي آخرين بالملامسة أو المصافحة و حتى لا ينقل العدوى لمكان آخر من الجسد عند الهرش.
·       بعد وضع العلاج على كامل الجسد يجب الانتظار 10-15 دقيقة قبل ارتداء الملابس لتجنب إزالة الدواء من بعض الأماكن.
·       إذا اضطررت لغسل يديك خلال الثمان ساعات الأولى بعد وضع العلاج فذلك يستلزم إعادة وضع الدواء على اليدين، فإذا كنت ستغسل يديك عدة مرات فيفضل استخدام القفزات لتجنب إزالة الدواء من اليدين.
سيزول الجرب بالعلاج تماماً، لكن الهرش قد يظل لأسبوعين أو شهر نتيجة وجود العث الميت وبرازه الجاف وهذه تسبب الحساسية التي تزول مع الوقت.
فاستمرار الحكة بعد استخدام العلاج، لا تعني عدم زوال المرض، فالحكة قد تستمر لشهر كامل حتى بعد القضاء على سوس الجرب.
و يمكن للشخص المصاب العودة إلى العمل أو المدرسة بعد يوم واحد من تلقيه العلاج، دون الخوف من انتقال العدوى للآخرين أما الجرب الساركوبتي الذي يصيب الحيوانات فقد ينتقل إلى الإنسان، لكن أعراضه تكون اقل شده بسبب ضعف تخصص مسبب المرض، و تتلاشى الأعراض بعد أسبوع دون أي علاج، و لا ينتقل من الشخص المصاب إلى شخص آخر لأنه طفيل خاص بالحيوانات.
خطوات استخدام العلاج
·       قبل الشروع في الاستحمام يحب إزالة أي خواتم باليد و الساعة و أي أساور حول المعصم
·       حمام بالماء الدافئ و الصابون و الدعك بالليفه.
·       بعد إنهاء الحمام يجب التنشيف جيداً قبل وضع العلاج.
·       قم بوضع الليفه داخل كيس بلاستيكي و أحكم إغلاقه و تخلص منه في القمامة، حيث أن الليفه الواحدة لا تستخدم إلا مرة واحدة.
·       قم بوضع طبقة رقيقة من الدواء على كامل الجسم من الرقبة و حتى أسفل القدمين و لا تنسى أن يصل الدواء تحت الأظافر
·       أطلب المساعدة من شخص آخر لضمان تغطية جميع أجزاء الجسد و يجب إن يستخدم القفازات
·       تجنب وصول الدواء إلى الفم و الأنف و العينين
·       تجنب غسل اليدين بعد وضع العلاج
·       بعد الاستحمام ارتدي ملابس نظيفة تم غليها مسبقاً أو لم يتم ارتدائها خلال الأربعة أيام الماضية
·       بعد الاستحمام قم بغسل الملابس أو غليها و أحرص على ارتداء القفازات و أنت تقوم بغسل الملابس
·       يجب أن يشمل الغسيل كل الملابس التي ارتديتها خلال الأربعة أيام الماضية. ك&لك يجب أن يشمل الغلي غطاء الوسادة و فرش السرير.
·       الأشياء التي لا يمكن غليها كالفراش و البطاطين فيتم عزلها في مكان لا يصل إليه أحد لمدة أسبوع.
·       قم بتنظيف الأثاث و الفرش بواسطة المكنسة الكهربائية ثم تخلص من محتويات حقيبة المكنسة بوضعها في كيس بلاستك يربط بإحكام
·       إعادة وضع  العلاج بعد أسبوع أو بعد المدة التي حددها لك الطبيب بنفس الطريقة.

حالات من الحياة العملية:

الحالة الأولى:
علي تاجر يبلغ من العمر 38 عاماً، يعمل في مجال التجارة، من قرابة سنة يحرص علي أن يسافر بنفسه إلى الهند ليحصل على أفضل أنواع البضاعة بأقل الأسعار. و تأكيدا لهدفه هذا كان علي يتجنب العاصمة ليصل إلى المدن الداخلية، و كانت المشكلة التي تواجهه دائماً قلة الفنادق في المدن التي يصلها، فكان يضطر للسكن في أماكن لا يحبذهاـ و كل سفرة كان يصاب بالجرب. لم يكن علي قادراً علي تجنب هذه الأماكن لأن عمله كان يفرض عليه المبيت فيها. و جاء يطلب حلاً يقيه الإصابة بالجرب من جديد.
كان الأمر واضحا... علي يتعالج كل مرة لأنه يستعمل الدواء بطريقة صحيحة، لكنه يضطر كل مرة للمبيت في أماكن تنقل إليه العدوى من جديد. يتخذ علي كل الاحتياطات الوقائية ، لكنه خلال الرحلات التي يفرضها عليه عمله يجد نفسه مضطراً لاستخدام الفراش الذي يعيد إليه العدوى. يستطيع علي أن يحمل معه غطاء خاص به لكنه لا يستطيع حمل فراش معه أو شراء فراش في كل مكان يحل به، حيث أن مبيته في المكان الواحد لا يتجاوز الليلة الواحدة.
الحل لمشكلة علي كان بأن يحمل معه كيساً كبيرا من البلاستيك يتسع للفراش و قفازات طبية، فإذا حجز غرفة، عليه ارتداء القفازات ثم يقوم بتغليف الفراش بكيس البلاستيك، يقوم بعد ذلك بوضع القفازات داخل كيس و ربطه جيدا. مع الحرص على عدم استخدام أي من الأدوات الموجودة بالغرفة. نجحت هذه الطريقة مع علي لأنه لم يكن يستخدم الغرفة التي يحجزها سوى للنوم.

الحالة الثانية:
سالمة أصيبت بالعدوى بالجرب، و كلما عولجت منه كانت العدوى تعاودها من جديد. كانت تقوم بوضع الدواء و عزل الفراش و البطاطين و غلي الملابس. لكن و رغم ذلك كانت العدوى تعاودها كل مرة. بطرح بعض الأسئلة على سالمة، تأكد لنا سبب معاودة المرض لها، فسالمة لم تقم بغلي بعض الملابس خشية أن تفسدها بالحرارة. إذاً سالمة لم تطبق العلاج بطريقة سليمة. لحل مشكلة سالمة اقترحنا عليها وضع الملابس التي تخشى فسادها من الحرارة داخل كيس بلاستيكي محكم الإغلاق ووضعها في مكان جاف لمدة خمسة أيام. طبقت سالمة هذا الإجراء و تخلصت من العدوى دون أن تفسد ملابسها.

الحالة الثالثة:
فاطمة طفلة صغيره تدرس بالصف الرابع لديها قطة جميلة ترعاها و تهتم بها كل يوم . منذ شهرين تتعرض فاطمة لظهور طفح جلدي شخص على أنه جرب، و كلما تم علاجها تعاود الأعراض فاطمة من جديد. الغريب في الأمر أن أحداً من عائلتها لم يصب بالمرض. سؤال واحد كان كاف لإظهار سبب العدوى المتكررة التي تصاب بها فاطمة. جواب جميع أفراد العائلة أكد أن الشخص الوحيد الذي يهتم بالقطة هو فاطمة.
قطة فاطمة كانت مصابة بالجرب، و هذا المرض ينتقل لفاطمة، لكن ووفقاً لطبيعة الجرب الحيواني لا ينتقل هذا المرض من فاطمة لباقي أفراد العائلة. بعلاج فاطمة و علاج قطتها عند الطبيب البيطري، تخلصت فاطمة من العدوى المتكررة. فالجرب الذي يصيب الحيوانات يختلف عن ذلك الذي يصيب الإنسان، و في حال انتقال المرض من الحيوان إلى الإنسان، فإن الشخص المصاب يعاني الأعراض لكن العدوى لن تنتقل لإنسان آخر. و الشخص المصاب سيشفى بعد أسبوع و إن لم يتلقى أي علاج. لكنه يظل معرضاً للعدوى مالم يتم علاج الحيوان المصاب.



[1] عُرف هذا النوع بالجرب النرويجي لأنه أكتشف لأول مرة عند مريض نرويجي كان يعاني من الجذام.

2013/10/10

عُمينا يوم البصر العالمي

يحتفل العالم كل ثاني خميس من شهر أكتوبر بيوم البصر العالمي، تُشحذ الهمم و تُشد العزائم. كل يسعى لجعل أمته أفضل إبصاراً. أما في بلادنا فأمرنا مختلف يجعلنا نشذ، فلا ندعو أطباء العيون و علمائها لأي سعي لتحسين أبصارنا في الوقت الحالي، فأدعى من ذلك أن نبحث عن بصيرتنا.
كما هو الحال في الظلمة حيث تتشابه الأشياء، أو تُمسي مجرد أشباح لا نستطيع التمييز بينها. عندما تنذهب شيرتنا و نفقد بصيرتنا فإننا سنقع في التشخيص الخاطئ للأشخاص و للأمور، و يصيبنا التيه، نفقد الإبصار و البصيرة لنصبح أسرى شيئين اثنين؛ الخوف من شيء ما و حب الوطن الذي لا نستطيع منه فراراً، الأول يُبعدنا عن رؤية أي شيء إيجابي و الثاني يبعدنا عن تبين السلبيات، لنجد أنفسنا نتصرف تبعاً لما يمليه علينا هذين الشعورين دون بصيرة بواقع الحال تنقذنا مما نحن فيه، لنتبين ما هو مستقيم وما هو منحرف، ما هو عدل وما هو ظلم، وما هو حق وما هو باطل.
(أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمّن يمشي سوياً على صراط مستقيم ) الملك22.

إنّ الذي يمشي سوياً ببصره وبصيرته أهدى من المنكب على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشي ولا ببصيرته، لأن السير على الطريق المستقيم لا يحتاج فقط إلى عينين مفتوحتين وإنما إلى بصيرة. علينا أن نهتدي لبصيرتنا قبل أن تتسلل إليها التراكوما فتُعميها كما أعمت أبصارنا. هل سنستدل على بصيرتنا و نُجد في البحث عنها أم سنظل نردد في خوف و حب و قلة حيلة "االبصيرة يجيبها ربك".

2013/10/07

الراوي الذي خان

قال الراوي: كان يا ما كان في قديم الزمان، رجل مُنعم له أرض واسعة، لم يأتي يوماً بمساح يقيسها بالفدان، و لم يُفكر يوماً بحسابها بالهكتار. كانت تُدر عليه خير وفير و تأتيه بالمال الكثير. مما جعل الحساد يذهبون إلى أن رزقه لا تأكله النيران، و لن يقهره سلطان، و لن يدور به الزمان.. مات الرجل و ترك وراءه أربعة أو خمسة من الأبناء. لم يختلف الأخوة في قسمة المال، لكن الأرض كانت محل خلاف، فشرقها كان فيه كروم العنب و الزيتون، و جنوبها كان فيه بئر المياه التي لا تجف، و في غربها كان هناك غابة كثيفة يحتطبون منها طوال العام، و شمال الأرض كان جنان وارفة الظلال لا تكاد تذبل لها زهرة إلا لتُزهر أخرى. احتاروا كيف يقتسمون الأرض و كلهم راضٍ. تدخل بينهم أهل الرأي، ثم أهل الحل و العقد، ثم قضاة المدينة، تدخل حتى كبير القضاة. لم يصل أحد منهم لحل، وظل الأخوة في حيرة لا تُفضي لشيء. تناقشوا و تحاوروا قليلاً ، لكنهم تأمروا كثيراً دون الوصول لحل. اختلفت بعد ذلك الروايات، و إن كان ما رسخ منها في أذهان الناس، أن الأخوة وصلوا إلى حل كان مرضٍ لهم جميعاً، كان الحل  مرضٍ لأي منهم لأنه كان يُغيض كل الآخرين. اتفقوا على إحراق الأرض و ردم بئرها، فتساوت كل جهاتها في جردائها، و تشابهت كلها في لونها الرمادي القاتم. تساوت الأرض فسهلت عليهم قسمتها. و عمد كل منهم إلى المال الذي يملك فابتنى له قصراً في جنته رمادية اللون. عندما نهضوا في الصباح لم يجدوا الكروم التي منها يأكلون، و البئر التي منها يشربون و الغابة التي كانوا منها يحتطبون، و الحدائق الغناء التي كانوا بها يستظلون. حينها أدركوا أنهم كانوا في ضلالهم يعمهون... إلى هنا و أقفل الحكواتي كتابه، مبتسماً لمستمعيه ابتسامة صفراء، ثم نظر إلى صاحب المقهى و قمزه قمزة لا يمكن إلا أن تكون ذات مغزى.( المغزى ليس في بطن الشاعر فلا تسألوه)
حمد الرقعي

ترهلات وطن

صار يعتريه الشعور بالترهل منذ عقدين و نيف من الزمان، كان هذا الشعور يرتاده بين الفينة و الأخرى. لكن توالي السنون بذات الرتابة، جعل شعوره أكثر عمقاً، و جرحه أشد نزفاً و إيلاماً. تمادى ترهله حتى دحت بطنه، فجاوز الأمر الشعور، ليصبح محسوساً ملموساً منظوراً مسموعاً مشموماً. يتذوق العذابات، و يشتم الآهات و يجتر في بَلادة بقايا كرامة حدثه عنها الأجداد ذات يوم. فيما تلى من السنون، تمرد الأمر و خرج من بين يديه ليجاوز شعوره الداخلي الخفي، فيبان للجميع واقعاً يلحظه كل من يلتقية، متمثلاً في كرش هلامية متقيحة ذات طبقات يطبق بعضها على بعض، و كأنها تحاول الإمساك بما علق بينها من قذى، تصدر عنها رائحة نتنة، لن تتعرف حقيقتها إلا بعد تمكنها من صدرك، تتمادى في تمددها فتطال ما بعد الحدود و ما وراء البحار.
فكر فقرر فنفذ، فكر فيما فات و فيما هو آت، قرر أن يغير الثبات بالثبات، ثبات هذا الترهل صار مغلقاً له و للآخرين، لذلك قرر الثبات في وجه المزيد من ترهله، قرر محاربته، فصمد و صابر و هو يدافع الترهل، رغم تترع المزيد من القذى، و تفتق العديد من الجروح، و اختناق المزيد من الأنفاس بالرائحة النتنة. تخلص مما فيه من ترهل ، و بدأ نظاماً جديداً تعلقت به الكثير من الآمال. لكن حياة جديدة بلا ترهل تحتاج نظاماً حياتياً جديداً، و هذا لن بتيسر إلا بوصفة جديدة،  كان لابد من تطبيق الوصفة بدقة متناهية، لينجح النظام الجديد. أحضر كل مكونات الوصفة، ليضع المقدار المطلوب من كل منها. لكن و في غفلة منه، اعترت جسده رجفة، فسقط الميزان و اهتز الإناء و اندلقت كل المكونات فيه بلا أدنى حساب. و جد نفسه في موضع عجيب و وضع غريب، ينظر إلى إناءه و قد فاض بخليط غريب. ليس مجرد سلطة، بل هو هردميسة لا تُفضي لشيء.
بدأ الترهل يعوده من جديد، لكنه هذه المرة جاوز البطن ليشمل غيرها من الأعضاء. حتى تلك التي لم تترهل أصابها الوهن، نتيجة ترهل ما جاورها من أعضاء. في لحظات ضيقه، نسى ترهله القديم، و تناسى ترهله الجديد، فما عاد يذكر سوى معركته الفاصلة التي هزم فيها ذلك الترهل القديم.
الذين يتابعون حاله من بعيد، فيتمتعون بصورة بانورامية أوضح و أعم لما هو فيه، يؤكدون أن ترهله الجديد، و رغم توسعه و انتشاره، ليس له ذات الرائحة النتنة.

احذروا القاتل الصامت

يحتفل العالم كل عام بهذا اليوم- السابع من أبريل- الذي يوافق ذكرى تأسيس منظمة الصحة العالمية World Health Organization(WHO)  عام 1948. و في كل عام يتم التركيز على موضوع معين مثير للقلق على المستوى العالمي، حيث يتم التوعية به و طرق علاجه. و في هذا العام 2013 ينصب الاهتمام بمناسبة يوم الصحة العالمي على القاتل الصامت...
هو القاتل الصامت بالفعل، لا يحس به ثلثي مرضاه و هو يعيث فتكاً بأعضائهم الداخلية يوماً بعد يوم. يختار الأعضاء الحساسة من الجسد  كالدماغ و الكلى و القلب أو العين. و لن يكتشف مرضاه اعتداء هذا القاتل الصامت على أجسادهم إلا بعد أن يسقطوا صرعى لسكتة دماغية أو جلطة قلبية أو انهيار وظائف الكلى، ليتسبب في وفاة 9 ملايين شخص كل عام ... إنه مرض ارتفاع ضغط الدم.
يشير آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية، والذي يتضمن بيانات من 194 دولة، إلى أن شخصاً من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم مصاب بارتفاع ضغط الدم، تزداد هذه النسبة مع التقدم في العمر، حيث تبدأ بواحد من كل عشرة أشخاص في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم وترتفع إلى خمسة من كل عشرة أشخاص في الخمسينات من أعمارهم.
القاتل الصامت هو السبب وراء أكثر من 90% من النوبات القلبية و أكثر من 20 % من السكتات الدماغية. و يؤدي ارتفاع الضغط بمرور الزمن إذا لم يعالج إلى الفشل الكلوي و يمكن أن يسبب العمى.
جميع الدراسات و الأبحاث تؤكد إمكانية الوقاية والعلاج من ارتفاع ضغط الدم. و قد أثمر النجاح في الوقاية والعلاج من هذا المرض، و تجنب عوامل خطر أخرى مسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية عن خفض عدد الوفيات الناجمة عن أمراض القلب.
ففي الدول المتقدمة ومع التشخيص المبكر والعلاج المنخفض التكاليف قل ارتفاع ضغط الدم الحاد مما أدى إلى إقلال الوفيات.
أما في دول العالم الثالث  فإن أكثر من 40% من البالغين في العديد من البلدان يعانون من ارتفاع ضغط الدم، ومعظمهم يبقى بلا تشخيص على الرغم من إمكانية معالجة معظم الحالات بتكاليف منخفضة مما يقلل من خطر الوفاة.
يمكن الحد من مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم عن طريق: الإقلال من تناول الملح – إتباع نظام غذائي متوازن- تجنب التدخين و  تناول الكحول - ممارسة النشاط البدني بانتظام - الحفاظ على الوزن و تجنب السمنة.
هذه السبل تبدو محدودة في تعدادها بسيطة عند سردها، لكن تطبيقها لا زال يعجز عنه عدد غير قليل. فمازال يعاني 2.3 مليار من البشر من زيادة الوزن و قرابة المليون يعانون السمنة و آثارها السيئة و على رأسها ارتفاع ضغط الدم.
في عالمنا العربي ما زال التخلص من سمنتنا و ترهل أجسادنا يُعجزنا فثالث معدلات السمنة في العالم نجده في المملكة العربية السعودية بنسبة 35.6 من سكانها بينما تأتي الإمارات في المرتبة الرابعة بنسبة 33.7 % و في المرتبة السادسة نجد البحرين بنسبة 28.9 و مصر و الكويت وقطر نجدها ضمن متصدري قائمة السمنة في العالم .
الدراسات العلمية أثبتت كذلك أن الإفراط في تناول ملح الطعام يتسبب في وفاة ما يقرب من 2.3 مليون شخص كل عام، و أظهرت إحدى الدراسات  أن نسبة 15 في المائة من وفيات النوبات القلبية و السكتات الدماغية وغيرها من أمراض القلب كانت بسبب الإفراط في تناول ملح الطعام و كان ارتفاع الضغط هو الوسيط الدائم بين الإكثار من تناول الملح و حدوث الأضرار بالقلب و الدماغ.
 معظم مجتمعاتنا العربية ما زالت تعتاد استعمال كميات زائدة من الملح في طعامها اليومي. ففي الإمارات نجد الفرد يستهلك يومياً غرامين من الملح أكثر مما هو موصى به دولياً مما يزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم.
كذلك يظل التدخين أحد أهم الأسباب لتصلب الشرايين و ارتفاع ضغط الدم، و عالمنا العربي ليس ببعيد عن صدارة قائمة ممارسي هذه العادة. فوفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية حول معدلات التدخين والدول الأكثر تدخيناً في العالم, تأتي سوريا ولبنان في المركزين الخامس والسادس عالمياً حيث أن الإحصائيات تقول أن 62% من الرجال في سوريا مدخنون وتليها لبنان بنسبة 61% ، بينما تحتل نساء لبنان وفق بعض الإحصائيات العالمية المركز الأول عالمياً ضمن أكثر الدول تدخيناً بين النساء حيث تصل نسبة النساء المدخنات في لبنان إلى 57.1%.
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن قرابة مليوني شخص يلقون حتفهم كل عام بما يعادل 6 % من مجموع الوفيات في العالم بسبب قلة ممارسة النشاط الرياضي.
وترى المنظمة أن الأشخاص الذين يمارسون نشاطا رياضياً منتظماً يحافظون على جسم سليم كما تنخفض لديهم نسبة الإصابة بأمراض الشرايين التاجية و ارتفاع ضغط الدم الشرياني والأزمات الدماغية.
و تجمع العديد من الدراسات أن 15 دقيقة من الرياضة المكثفة و بشكل يومي, كافية للوقاية من المخاطر الصحية, و الحصول على حد أدنى من اللياقة المطلوبة, و ذلك بافتراض وجود نشاط يومي مستمر, وهوايات تتطلب مجهود جسدي.
بينما أوصت بعض البحوث البريطانية العامة بممارسة الرياضة لمدة 150 دقيقة أسبوعيا, و تقسيمها بشكل يومي بواقع 30 دقيقة خمس مرات أسبوعيا, بينما ترى مراكز الوقاية و الحماية من الأمراض أننا بحاجة إلى 30 دقيقة من الرياضة المتوسطة يوميا, من أجل الحصول على الوقاية الكافية من الأمراض.
في مجتمعنا العربي نكاد نقف بكليتنا بعيداً عن هذا الأسلوب الوقائي من الأمراض، ففي إحدى الدراسات تبين أن 91% من العرب لم يفكر أبداً في ممارسة الرياضة بعد إنهائه مراحل الدراسة.
إن الهدف النهائي ليوم الصحة العالمي 2013 هو خفض معدلات الإصابة بالنوبات القلبية و السكتات الدماغية. و تحقيق هذا الهدف النهائي يحتاج لتحقيق العديد من الخطوات كما قررتها منظمة الصحة العالمية و هي:
-         التوعية بمسببات ارتفاع ضغط الدم و مضاعفاته و سبل الوقاية منه.
-         التشجيع على القيام بالفحص الدوري لضغط الدم، و جعل وسائل قياس ضغط الدم في متناول الجميع.
-         تحفيز السلطات الوطنية والمحلية على تهيئة بيئة مؤاتية للسلوك الصحي.
هذه الأهداف نظل قاصرين عن إيفائها في الوقت الحالي في أغلب المناطق العربية، لأنها تعتمد بشكل كبير على وعي المواطن. و الرفع من مستوى الوعي يستلزم جهداً مضاعفاً يكاد يطال كل مؤسسات الدول و كل مكونات المجتمع، من مؤسسات صحية و مؤسسات تعليمية و أدوات إعلامية و حتى المساجد و الجمعيات الأهلية و الخيرية. تكاتف جهود الجميع هو ما سيخلق الوعي لدى الجميع، و هذا الوعي هو الذي سيطلق طاقة الفعل لدينا.

و تستمر رجلة التيه

جنحت بهم سفينتهم، تاهت في شتى البحور أربعين حولاً و حول و حول، رأوا بِحاراً بلون الدم، و دوار يُخرج الجماجم من عمق البحر. سمعوا الحوريات يئنن كالثكالى، رأوا بأم العين القرش يناور مندحراً أمام صغير الإخطبوط. و اصطدمت سفينتهم غير مرة بجزر يلفها الظلام، و تعمها أنتن رائحة تُشم. لم تكن الشمس تًشرق و لم يكن القمر يضيء. سئموا رؤية ما لم تألفه نفس الكريم، فاجتمعت أياديهم ذات يوم، لتضبط الدفة في وجهة واحدة، ليبعدوا سفينتهم عن بحور الضياع. أفلحوا فتوقف التيه لبرهة، فأبحروا في سلام حتى أبصروا منارة قريتهم الهادئة، شمروا عن سواعدهم و أنزلوا خمسة أو ستة قوارب ليقطروا بها السفينة نحو شط الأمان فلا تعبث بها الأنواء، اقتسموا القوارب فيما بينهم، فكانت كل ثلة منهم في قارب، شرعوا في قطر سفينتهم. لكن الآخر استهزأ بقواربهم، فشرع كل قارب يجر السفينة في اتجاه، بعضها متجه نحو الشاطئ و البعض الآخر يحاول سحب السفينة إلى عُمق البحر، بعضها يتجه غرباً، و الآخر شرقاً. لم يكن أحد منهم يسمع الآخر، و لم يكن منهم منصت لصراخ أهل المدينة الواقفين مشدوهين على الشاطئ، تعتريهم الدهشة وهم يسمعون صراخ السفينة من أثر سحبها من كل اتجاه. و حتى هذه اللحظة مازال كل قارب يسحب في اتجاه، دون أن يصغي أحد منهم سمعه للآخر و ما زالت السفينة تئن.
 

2013/03/26



اليوم العالمي للتوحد
د. حمد الرقعي

في العام 2007 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثاني من أبريل كيوم عالمي للتوحد، بهدف التعريف بـهذا المرض، الذي يطال اليوم 67 مليون شخص يعيشون بيننا، لكن مصابهم ينأ بهم عنا ليعيشوا في وحدة متواصلة يفرضها عليهم التوحد الذي يعانونه.
يتم تشخيص التوحد بناء على سلوك الشخص، لذلك تتعدد أعراض هذا المرض التي تظهر في العادة خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل، و تنتج عن اضطراب عصبي يؤثر على وظائف المخ، تصيب أعراضه الذكور أكثر من الإناث.
يصيب مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي ، فيفضل المريض العزلة و يعاني صعوبة في التواصل البصري و السمعي، فلا يُظهر المصاب بالتوحد أي استجابة عند مخاطبته ليبدو كالأصم رغم أنه سليم السمع.
 و يصعب عليه التعبير عن احتياجاته، و قد يعاني نوبات من الضحك والبكاء دون أسباب واضحة، مع صعوبة في الاختلاط مع الآخرين. و يظهر المصابون بهذا الاضطراب سلوكاً متكرراً بصورة غير طبيعية، كالتصفيق باليدين لفترات طويلة، والتحديق في اليدين ووضعهما أمام العينين، و قد يرتبط بشيء ما بصورة مبالغ قيها، كاللعب بلعبة واحدة طوال الوقت دون محاولة التغيير إلى لعبة أخرى، فنجده مثلاً يقوم بتحريك طبق بشكل دوراني لفترة طويلة دون توقف. و بشكل عام نجد لدى المصاب ممانعة دائمة للتغيير.
و هناك العديد من المؤشرات التي تستلزم انتباه الأهل و طلب الاستشارة الطبية عند ملاحظتها، كعدم ابتسام الطفل حتى شهره السادس، و عدم تبادل الأصوات و تعابير الوجه حتى 9 أشهر، و عدم المناغاة بعمر 12 شهر، و عدم الكلام بعمر 16 شهر. و عدم الرد عند مناداته باسمه في عمر العشرة أشهر.
حتى هذه اللحظة لم يتم التعرف لأسباب التوحد، رغم أن معظم البحوث تشير إلى وجود عامل جيني له تأثير مباشر في الإصابة بهذا المرض، حيث تزداد نسبة الإصابة بين التوائم المتطابقة  أكثر من حدوثها لدى التوائم غير المتطابقة.
و لوحظ من خلال العديد من الدراسات تواجد زيادة متسارعة في عدد الأطفال المصابين باضطراب التوحد ، ففي أمريكا كان معدل انتشار التوحد في عام 1970م حالة واحدة بين كل 2500 شخص وفي عام 1999 ارتفع الرقم الى حالة واحدة لكل 285 وفي عام 2007م كان حالة واحدة في كل 150 طفل، و في العام 2009 حالة واحد في كل 91 طفلظ و هي الأن حالة في كل 88 طفل. و يمكن إرجاع هذا الازدياد المضطرد لتطور وسائل التشخيص، و وعي أولياء الأمور بهذا المرض و طلبهم المعونة الطبية، في حين لم يكن يلتفت الأهل لهذه الأعراض في السابق.
في العالم العربي نفتقر لدراسات موسعة لأعداد المصابين بالتوحد. و اعتماداً على بعض الدراسات التي أجريت بالمنطقة العربية، لا نجد اختلافاً كبيراً عن الدراسات العالمية ففي السعودية  أظهرت دراسة نسبة 1% و في الإمارات ارتفعت الإصابة بالمرض من 0.9% إلى 1.1% خلال السنوات الأخيرة. و في مصر يقدر عدد المصابين بالتوحد بعدد 800 ألف مصاب، و إن كانت بعض الدراسات الأخرى ترفع الرقم لأكثر من ذلك.
 يحتاج هؤلاء الأطفال علاجاً طويل الأمد في مراكز متخصصة و بتكلفة كبيرة، لأنه يعتمد على أيدٍ خبيرة، و في معظم الحالات يحتاج كل طفل لمدرب خاص به. الأمر الذي يعجز عنه الأهل بمفردهم  أو الجمعيات الخيرية أو مؤسسات الدولة لوحدها، بل هو أمر يستلزم تظافر جميع الجهود.
و من المهم هنا أن نؤكد أن التشخيص السريع لهذا المرض لاشك يقدم الكثير للطفل، فمما يعيق تحسن المصابين في مجتمعاتنا العربية، أن عدد غير قليل من الأهل يعمدون إلى إخفاء مرض طفلهم و إبقاءه بالمنزل، إما لخجلهم من مواجهة المجتمع بمرض طفلهم، أو لاجتناب تحمل تكلفة العلاج الذي لا يؤمن معظمهم بفعاليته.
إن التوعية بهذا المرض، طبيعته و ضرورة التشخيص السريع، و فعالية العلاجات المتبعة في المراكز المتخصصة، تظل دور هام يجب أن يتحمله كل صاحب قلم أو معتلٍ منبر. لعل ذلك ينير الطريق لعائل فيكون فيه كثير الخير لطفل، ننقذه من وحدتين توحد المرض و توحد تفرضه عليه أسرته بعزله عن مجتمعه.
في الختام أختم بما ختم به بان كي مون رسالته التي وجهها للعالم بمناسبة اليوم العالمي للتوحد " دعونا نواصل العمل جنباً إلى جنب مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد، و لنكن داعمين لهم للتصدي للتحديات التي يواجهونها لنضمن لهم حياة منتجة هي حقهم الطبيعي".
-        أول من استخدم كلمة Autism للدلالة على هذا المرض هو العالم النفسي السويسري إيوجين بلوار Eugen Bleuler  عام 1911 و هي كلمة يونانية تعني "بنفسه".
.
للتواصل hamsam3@hotmail.com