2013/10/07

الراوي الذي خان

قال الراوي: كان يا ما كان في قديم الزمان، رجل مُنعم له أرض واسعة، لم يأتي يوماً بمساح يقيسها بالفدان، و لم يُفكر يوماً بحسابها بالهكتار. كانت تُدر عليه خير وفير و تأتيه بالمال الكثير. مما جعل الحساد يذهبون إلى أن رزقه لا تأكله النيران، و لن يقهره سلطان، و لن يدور به الزمان.. مات الرجل و ترك وراءه أربعة أو خمسة من الأبناء. لم يختلف الأخوة في قسمة المال، لكن الأرض كانت محل خلاف، فشرقها كان فيه كروم العنب و الزيتون، و جنوبها كان فيه بئر المياه التي لا تجف، و في غربها كان هناك غابة كثيفة يحتطبون منها طوال العام، و شمال الأرض كان جنان وارفة الظلال لا تكاد تذبل لها زهرة إلا لتُزهر أخرى. احتاروا كيف يقتسمون الأرض و كلهم راضٍ. تدخل بينهم أهل الرأي، ثم أهل الحل و العقد، ثم قضاة المدينة، تدخل حتى كبير القضاة. لم يصل أحد منهم لحل، وظل الأخوة في حيرة لا تُفضي لشيء. تناقشوا و تحاوروا قليلاً ، لكنهم تأمروا كثيراً دون الوصول لحل. اختلفت بعد ذلك الروايات، و إن كان ما رسخ منها في أذهان الناس، أن الأخوة وصلوا إلى حل كان مرضٍ لهم جميعاً، كان الحل  مرضٍ لأي منهم لأنه كان يُغيض كل الآخرين. اتفقوا على إحراق الأرض و ردم بئرها، فتساوت كل جهاتها في جردائها، و تشابهت كلها في لونها الرمادي القاتم. تساوت الأرض فسهلت عليهم قسمتها. و عمد كل منهم إلى المال الذي يملك فابتنى له قصراً في جنته رمادية اللون. عندما نهضوا في الصباح لم يجدوا الكروم التي منها يأكلون، و البئر التي منها يشربون و الغابة التي كانوا منها يحتطبون، و الحدائق الغناء التي كانوا بها يستظلون. حينها أدركوا أنهم كانوا في ضلالهم يعمهون... إلى هنا و أقفل الحكواتي كتابه، مبتسماً لمستمعيه ابتسامة صفراء، ثم نظر إلى صاحب المقهى و قمزه قمزة لا يمكن إلا أن تكون ذات مغزى.( المغزى ليس في بطن الشاعر فلا تسألوه)
حمد الرقعي

ليست هناك تعليقات: