2012/09/22

كيف وجد يعقوب ريح يوسف



كيف وجد يعقوب ريح يوسف

حمد الرقعي                          

(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ)[1]
طويلة هي السنوات التي قضاها يعقوب عليه السلام، ينتظر ابناً تاه عنه في لحظة من الحياة أظلمت بغيرة إخوة لا يرحمون. طويلة هي السنين، تمضي على شيخ غاب عنه أحب الأبناء إليه و غاب عنه بصره. يزيد في وطئة هذه السنين أمل لا ينقطع بعودة الابن الغائب. ذهب عنه بصره و لم تذهب بصيرته، فصابر و جالد رغم طول الزمن و رغم شدة الحزن التي قيست بحزن سبعين ثكلى. اشتد الوهن و طال الزمن  بغياب يوسف حتى أوصله بعض الرواة لثمانين عاماً. هذا الزمن كان كافٍ لذلك الابن لأن ينتقل من ظلام الجبّ إلى السجن وأخيراً إلى عرش الملك، و كما كان الابن محافظاً على إيمانه بقي أبوه يعقوب عليه السلام واثقاً بالله لم يفقد الأمل من رحمته، و لم يغب عنه خيال ابنه للحظة، بل ظل ذاكراً له آملاً بعودته. حتى حانت لحظة قدرها الله، ليعتق بها شيخ ضرير من انتظار لا ينتهي، فها هو يوسف يبعث بقميصه لأبيه، و قبل أن يصل القميص، بل قبل أن تطال القافلة محط رحالها، و من قبل أن تترأى لمترقبيها وإن عن بعد، ها هو يعقوب يبشر نفسه و يخبر الآخرين بأنه يجد ريح يوسف. لم يشتم يعقوب ريح ابنه يوسف عندما طالت يداه الثوب، بل وجدها قبل ذلك بكثير،  يقول القرطبي : "ولما فصلت العير" أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام، وقال البغوي : من مسيرة ثلاثة أيام، و روي عن ابن عباس: من مسيرة ثمان ليال، وقال الحسن: كان بينهما ثمانون فرسخا.
قال الشيخ محمد الشعراوي في كتابه قصص الأنبياء و المرسلين: لأن القافلة الكبيرة لما غادرت المدينة التي كان يقيم فيها يوسف, كانت تضم عدداً كبيراً من الناس فكانت رائحة يوسف مختلطة بروائح كثيرة, كما أن مباني المدينة كانت تحجزها، فلما خرجت القافلة من المدينة, و انقسمت إلى مجموعات صغيرة، أوصل الله رائحة يوسف إلى يعقوب عليهما السلام. 
كيف تيسر لسيدنا يعقوب أن يجد ريح ابنه على مسافة طويلة قبل أن يصل القميص إليه؟
يحدثنا علماء الفسيولوجيا اليوم عن وجود أثر في الدماغ خلف فتحتي الأنف لعضو ضامر يسمى العضو الميكعي الأنفي أو عضو جاكبسون  vomeronasal الذي اكتشفه فردريك رويش ولاحقا لودفيغ جاكبسون [2] عام .1813  كان هذا العضو في يوم من الأيام يلتقط الإشارات الكيميائية البعيدة الصادرة عن أشخاص آخرين. فكان هذا العضو الذي لم نعد نجده اليوم يلتقط الإشارات الكيميائية التي يفرزها أشخاص آخرون، فيحلل هذه الإشارات للتعرف على صاحب الرائحة المصدرة للإشارات الكيميائية.
هذه الخلايا العصبية كانت فعالة منذ آلاف السنين، لكنها فقدت حساسيتها مع الزمن ولم يعد لها مفعول يُذكر، ويؤكد العلماء أن هذا العضو كان مستخدماً بفعالية كبيرة لدى البشر في عصور سابقة.  
هذا عن المستقبِل أما بخصوص المرسِل – مصدر الرائحة – فقد توصل باحثون أميركيون في الحقل النفسي عن طريق تجربة علمية نشرت نتائجها في مجلة Nature إلى أن الروائح الجسدية موجودة فعلاً، حيث أن الجزئيات ذات الروائح الصادرة عن مواضع معينة في الجسم تسمح للكائنات المنتمية للنوع الواحد بالتواصل عن بعد. فالحشرات والحيوانات الثديية تتخذ من هذه الروائح وسيلة تحدد بها مناطقها الخاصة و تتعرف على المجموعات التابعة لها، و تبعث إناث الثدييات رائحة خاصة في مرحلة الإباضة لتدل الذكور على الوقت المناسب للتزاوج والإنجاب. و لاستشعار هذه الروائح تستخدم الثدييات الأنف الخفي أو العضو الميكعي الأنفي أو عضو جاكبسون  Vomeronasal  الموجود في تجويف واقع في مقدمة المادة المخاطية الشمية في الأنف، و يقوم باستقبال الروائح التي يعجز عن تحديدها الأنف الطبيعي.
و قد أظهر أحد الأبحاث الذي أجري في هذا المجال أن القطط تنتج إشارات كيميائية في صورة روائح من شأنها أن ترعب الفئران. فعندما تلتقط الفئران إشارات ناتجة عن بروتينات معينة توجد في لعاب القطط وبولها يكون ردة فعل الجرذان الخوف الشديد. إذ أن هذه الروائح تؤثر على الخلايا الموجودة في عضو جاكبسون لتصل الدماغ مما يجعل الفئران تُظهر أعراضاً مثل التجمد من الخوف أو الالتصاق بالأرض و تقوم بحذر بالشم والتحقق من محيطها.
و للتأكد من دور عضو جاكبسون في رد فعل الفئران اتجاه القطط، قام العلماء بإزالة هذا العضو لدى بعض الفئران ثم وضعت في مواجهة قط حي لكنه مخدر، و كانت النتيجة مثيرة للدهشة، إذ لم تبدي الفئران أيما فعل يدل على الخوف مع أنها رأت القط أمامها تماماً. بل أن أحد فئران التجربة ذهب للنوم بجانب الجرذ, حيث أن جو الغرفة كان بارداً، و أراد هذا الفأر أيما مصدر للدفء و إن كان عدوهم اللدود القط.
و في سبيل معرفة أي أثر مشابه للروائح بين بني البشر، عُمد إلى تجربة تم فيها تبليل قطع قطن بعرق 9 نساء، ثم  طلب من 20 امرأة أخرى أن يبللن شفاههن بمحتوى القطن بشرط عدم غسل وجوههن لمدة ست ساعات. كررت هذه التجربة يومياً لمدة 4 أشهر بعد تقسيم مجموعة النساء إلى فئتين ،الفئة الأولى تشم عرق نساء في النصف الأول من الدورة الشهرية ، و الفئة الثانية تشم عرق نساء في النصف الثاني من الدورة الشهرية. فكانت النتائج أن النساء المنتميات للفئة الأولى، ارتفع معدل إفرازهن للهرمون اللوتيني ( LH ) فلاحظن قصر الدورة الشهرية . أما النساء المنتميات للفئة الثانية، فقد تراجع معدل إفرازهن للهرمون اللوتيني، مما أدى إلى إطالة الدورة الشهرية. كانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها تأثير الافرازات البشرية التي لا يعيها الأنف البشري . وهذا ما يفسر حصول التزامن في الدورات الشهرية لبعض النساء اللواتي يتشاركن ذات المكان.
فالعلماء اليوم يعتقدون بوجود إشارات كيميائية يتم تبادلها بين البشر، ويحاولون استكشاف هذه الإشارات و دراسة تأثيراتها، ويعتقدون بوجود مواد كيميائية تميز كل إنسان عن الآخر، فلكل منا رائحته المختلفة عن الآخرين، حتى إنه يمكننا القول بأن لكل إنسان بصمة كيميائية تتمثل في أن جسده يفرز مواد محددة تختلف عن أي إنسان في العالم، وتبقى هذه الرائحة مرافقه له منذ ولادته وحتى الموت.
و يتم استقبال هذه الإشارات الكيميائية بواسطة جزيئات تسمى TRP متواجدة على الخلايا العصبية، وعندما تأتي المواد الكيميائية التي يطلقها إنسان آخر فإنها تندفع عبر الجزيئات TRP وتسبب تغيراً في توتر الخلية (الطاقة الكهربائية المختزنة في الخلية)، فترسل الخلية إشارات كهربائية إلى الدماغ يحللها الدماغ كتحليله للإشارات الواردة من العين أو الأذن.
والآن لنعيد تأمل  الآية الكريمة من جديد في ضوء ما ذكرناه، فقد أحضر إخوة يوسف قميصه المحتوي رائحته، هذه الرائحة انتقلت مع الريح لتصل إلى أنف سيدنا يعقوب قبل أن تصل القافلة.
وبما أن الدماغ البشري كان يملك قدرة كبيرة على تحليل الإشارات الكيميائية أو الروائح، فإن سيدنا يعقوب استطاع تذكر رائحة ابنه الذي مضى على غيابه عشرات السنين، بينما بقية أفراد العائلة لم يصدقوا ذلك، إذ أن الجميع يظن بأن يوسف قد أكله الذئب، ولذلك قالوا له: (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ )[3]
و لكن لماذا لم يجد الآخرين ريح يوسف، ربما كان اعتقادهم بموت يوسف حاجباً لأي رسالة تقوم حواسهم باستقبالها بأن يوسف لا يزال حياً. أما سيدنا يعقوب عليه السلام، فلم يصدق يوماً موت ابنه، و كان على الدوام في انتظار رسالة منه،  الرسالة التي أتت أخيراً في صورة رائحة يوسف، لذلك قال سيدنا يعقوب أنه وجد ريح يوسف و لم يقل بأنه قد شمها، لأن سيدنا يعقوب قد وجد فعلاً هذه الرائحة، وتعرَّف عليها جيداً لأنه كان يبحث عنها طوال سنوات، وهذا يدل على الثقة الكبيرة لسيدنا يعقوب بهذه الرائحة.





[1]-  سورة يوسف الآية 94
[2] - جراح ألماني ولد عام 1783 و توفي عام 1843 اخترع العديد من الأدوات الجراحية، و له العديد من الكتابات.
[3] سورة يوسف الآية 95

ذاكرة الشم


هل حدث معك يوماً أن كنت ماراً فشممت رائحة أخرجت من تلافيف ذاكرتك صورة لمناسبة أو شخص ما. كثيرة هي الروائح التي نشمها بأنوفنا فتعيد لنا ذكريات مضت. رائحة الخشب المحترق تعيدنا لنزهة في يوم ما مع العائلة أو الأصدقاء، رائحة الكحول و المواد المطهرة قد تعيد إليك ذكريات إقامتك بالمستشفى، ورائحة البخور التي تعبق بها الأسواق الشعبية، ستعيدك بالذكريات إلى يوم زفافك، و ربما ذكرتك بالساحر الذي زرته ذات يوم.
جميع الروائح التي تمر بنا في حياتنا، يستقبلها المخ ليحفظها ضمن أرشيف كبير، يضم عشرات الآلاف من الروائح. و عندما تلتقط المستقبلات الشمية الروائح المختلفة التي تطلقها الأشياء من حولنا، تقوم بإرسالها إلى البصيلة الشمية، ومنها تصل إلى المنطقة المختصة بالشم في الدماغ، حبث يتم تقليب صفحات الأرشيف داخل الدماغ بحثاً عن رائحة تحمل ذات التشفير، و عندها يبلغنا الدماغ أن الرائحة التي تم استقبالها مطابقة تماماً للرائحة الموجودة بالأرشيف الخاصة بالتفاح، و بالتالي فإن الرائحة التي تم نشمها هي رائحة التفاح, أما إذا لم يجد الدماغ ما يطابق الرائحة التي نشمها ضمن أرشيفه، فيحاول البحث عن الرائحة الأكثر مشابهة لها، فنقول هذه رائحة تشبه رائحة التفاح، أو رائحة تشبه رائحة الياسمين. فإذا كنت تحاول اختيار عطر ما داخل محل العطور، فبمجرد شمك لعطر ما سيخبرك الدماغ بنوع العطر وفقاً لما تم أرشفته سابقاً، لكن إذا شممت عطراً جديداً، فالدماغ لن يجد رائحته داخل الأرشيف، و بالتالي سيبلغك بأن هذا العطر مشابه لرائحة الياسمين أو التفاح أو غيرها من الأشياء، و ربما توجد ذكريات مخزنة حول هذه الرائحة، فيخبرك بأن هذه الرائحة هي التي شممتها في تلك المناسبة، أو عند ذلك الصديق. و عندما يبلغك البائع باسم العطر، فإن الدماغ يؤرشف الرائحة الجديدة بهذا الاسم، و يبلغك بإسمها إذا شممتها من جديد. فذاكرة الشم هي التي تقودنا إلى معرفة هوية الروائح التي نشمها في حياتنا اليومية، و كل رائحة يتم تخزينها في ذاكرة حاسة الشم حسب رموز معينة. وعند إحساسنا برائحة ما يتم التعرف عليها حسب ما يقابلها من رموز موجودة في أرشيف ذاكرتنا الشمية، ولو شممنا رائحة ما غريبة علينا، أي لم نصادفها من قبل فإن مخ الإنسان يحاول تحليلها حسب أقرب رائحة إليها مخزونة في الذاكرة الشمية، و من المستحيل التعرف على الروائح لولا وجود هذه الذاكرة.

 إن الأرشفة الدقيقة لعشرات الآلاف من الروائح، و السرعة الرهيبة في استدعائها عند الحاجة إليها، تعتبر معجزة تجعل حاسة الشم تتفوق على غيرها من الحواس في دقتها.
و شم رائحة ما، يستدعي لنا الذكريات المرتبطة بالرائحة سواء كانت هذه الذكريات ممتعة أم محزنة، فشمك لرائحة كنت قد استخدمتها في مناسبة معينة، ستعيد إليك ذكريات تلك المناسبة بتفاصيل دقيقة كنت تعتقد أنك قد نسيتها. و يطلق على هذه الظاهرة "ظاهرة بروستيان" نسبة إلى الكاتب الفرنسي مارسيل بروست، الذي نشر إحدى الروايات حول تذكر الماضي، والتي ورد فيها تذكره لماضيه نتيجة شمه رائحة البسكويت الذي تعده "مادلين" بطلة الرواية.
و وجد أن الذكريات التي تُستدعى بشم الروائح أشد عاطفية و أكثر تفصيلاً من الذكريات المصاحبة للحواس الأخرى كالنظر أو السمع. و يمكن إرجاع ذلك إلى أن جزيئات الرائحة التي نشمها تنتقل مباشرة إلى منطقة الأميغدالا في الدماغ المسئولة عن السيطرة على العواطف، أما الحواس الأخرى فلا تؤثر في هذه المنطقة بشكل مباشر، لذا فهي تحفز عاطفة أقل. فالمسار الرئيسي المؤدي للدماغ بالنسبة لحاستي البصر والسمع يبدأ بأعضاء الإحساس و يمر قبل وصوله للمخ بمنطقة المهاد التي تعمل كمحطة توصيل للمعلومات إلى قشرة الدماغ، أما إحساسات الشم فتدخل إلى القسم الأمامي من المخ مباشرة دون المرور على المهاد.
في إحدى التجارب عرضت 60 صورة مختلفة على المتطوعين، ومع كل صورة كانت تصدر رائحة إما لطيفة أو كريهة. وبعد الانتهاء، تم إخضاع كل متطوع لفحص دماغي بالرنين المغناطيسي، بينما يعاد عرض الصور مرة أخرى وعلى المتطوعين محاولة تذكر الرائحة المصاحبة لكل صورة. أعيدت التجربة للمتطوعين مرة أخرى  بنفس الصور ولكن باختلاف الروائح. بعد أسبوع من التجربة، عاد المتطوعون ليتم فحصهم. عرضت عليهم الصور مرة أخرى وطلب منهم تذكر الروائح. وجد العلماء أن الانطباع الأول للرائحة يكشف نشاط مميز وفريد في الدماغ. ولمعرفة تأثير الحواس الأخرى ، أعيدت التجربة باستخدام الأصوت بدلاً من الروائح، فوجد أن الأصوات لم تترك ذات الأثر الذي تركته الروائح. و يعود ذلك إلى أن وصف الأشياء بالكلمات يقلل من العاطفة التي نشعر بها تجاه الموصوف. فالروائح لها قدرة كبيرة على إعادة الذكريات بصورة أوضح، لأنه من الصعب وصف الروائح بالكلمات، إذ  لا يوجد أسماء نصف بها الرائحة. فنحن نسمي الأشياء من حولنا بأسماء متفق عليها في كل لغة، أما الأسماء التي نطلقها على الروائح  فهي في الحقيقة أسماء لمصدرها فنقول رائحة القرنفل و رائحة الياسمين و رائحة الموز... و هكذا.
و هنا أتذكر قول الشاعر نزار قباني:
           كـلمـاتـنا فـي الحـب تـقـتل حبنا                                          إن الحـروف تمـوت حـين تقال
يقوم الدماغ باستقبال ما يصله من بيانات شمية و من ثم تحليلها و مراجعة مخزونه من الذكريات المتعلقة بهذه الرائحة فيتم استدعائها، و قد وجد أن للروائح قدرة على تنشيط الذاكرة والمساعدة في تذكر أشياء قد مضى عليها زمن ليس بالقصير و تكون هذه الذكربات المستدعاة بواسطة أحاسيس شمية أقوى وأكثر عاطفية وتفصيلاً من تلك المصاحبة للحواس الأخرى‏ كالنظر و السمع و ذكريات الروائح هي الأطول مكوثاً في ذهن الشخص مقارنة بالانطباعات التي تتركها صورة ما أو لحن موسيقي تم سماعه، فمع مرور الوقت تبقى الذاكرة الشمية حاضرة في حين تتلاشى الذاكرة البصرية أو السمعية. ففي إحدى التجارب تم إطلاق رائحة في غرفة يذاكر فيها بعض الطلاب وخلال الامتحان تم إطلاق نفس الرائحة فكانت نسبة الإجابات الصحيحة مرتفعة بشكل ملحوظ.
فالروائح تنشط مناطق كثيرة في الدماغ فتجعل الإنسان يتذكر أشياء ارتبطت برائحة المادة التي يشمها، ليستطيع الإنسان تذكر أشياء مضى عليها عشرات السنين ويربطها بهذه الرائحة.
و تذهب العديد من الدراسات إلى أن الروائح تستطيع  إحداث تغييرات فيسيولوجية في جسم الإنسان، بل أنها تؤثر في القسم الأمامي من الدماغ المسئول عن السلوك واتخاذ القرارات.
فمن الواضح أن حاسة الشم ترتبط بالعواطف بشكل مباشر, إذ أن اشتمام بعض الروائح قد يغير من مزاجنا, و يؤثر في مشاعرنا, فمجرد اشتمام رائحة القهوة عند البعض, يجعلهم يتخلصون من المزاج الكسول, و يشعرون بالنشاط أكثر.
و نتيجة لهذا الارتباط الفريد بين حاسة الشم و الدماغ الذي يعالج العواطف، يصبح بالإمكان إيقاظ الأحاسيس والمشاعر المكبوتة، والذكريات المخزنة التي قد تكون من النوع المؤلم، من خلال مؤثرات حسية معينة، كرائحة عطر، أو صوت شلال، أو منظر طبيعي معين. و لا يخفى الدور الذي يلعبه استدعاء الذكريات في العلاج النفسي.
والدراسات الحديثة في هذا المجال تؤكد بأن العكس أيضاً صحيح، فتذكرنا لمناسبة معينة، سيعيد إلينا كذلك الروائح التي كان يعبق بها مكان المناسبة، و تذكرك لشخص ما، سيعيد إليك رائحة العطر الذي يستعمله.ففي إحدى التجارب المتعلقة بهذا الشأن طُلب من المتطوعين ربط قصة عاشوها في حياتهم مع الروائح السائدة فيها.  وعندما عرضت الصور المتعلقة بالمناسبة على المتطوعين الموضوعين تحت المراقبة الدماغية الحركية، وجد أن تلك الصور أثرت في المناطق الشمية الدماغية بشكل كبير، حيث لوحظ تبدلاً واضحاً في استجابة القشرة الدماغية.