2013/10/10

عُمينا يوم البصر العالمي

يحتفل العالم كل ثاني خميس من شهر أكتوبر بيوم البصر العالمي، تُشحذ الهمم و تُشد العزائم. كل يسعى لجعل أمته أفضل إبصاراً. أما في بلادنا فأمرنا مختلف يجعلنا نشذ، فلا ندعو أطباء العيون و علمائها لأي سعي لتحسين أبصارنا في الوقت الحالي، فأدعى من ذلك أن نبحث عن بصيرتنا.
كما هو الحال في الظلمة حيث تتشابه الأشياء، أو تُمسي مجرد أشباح لا نستطيع التمييز بينها. عندما تنذهب شيرتنا و نفقد بصيرتنا فإننا سنقع في التشخيص الخاطئ للأشخاص و للأمور، و يصيبنا التيه، نفقد الإبصار و البصيرة لنصبح أسرى شيئين اثنين؛ الخوف من شيء ما و حب الوطن الذي لا نستطيع منه فراراً، الأول يُبعدنا عن رؤية أي شيء إيجابي و الثاني يبعدنا عن تبين السلبيات، لنجد أنفسنا نتصرف تبعاً لما يمليه علينا هذين الشعورين دون بصيرة بواقع الحال تنقذنا مما نحن فيه، لنتبين ما هو مستقيم وما هو منحرف، ما هو عدل وما هو ظلم، وما هو حق وما هو باطل.
(أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمّن يمشي سوياً على صراط مستقيم ) الملك22.

إنّ الذي يمشي سوياً ببصره وبصيرته أهدى من المنكب على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشي ولا ببصيرته، لأن السير على الطريق المستقيم لا يحتاج فقط إلى عينين مفتوحتين وإنما إلى بصيرة. علينا أن نهتدي لبصيرتنا قبل أن تتسلل إليها التراكوما فتُعميها كما أعمت أبصارنا. هل سنستدل على بصيرتنا و نُجد في البحث عنها أم سنظل نردد في خوف و حب و قلة حيلة "االبصيرة يجيبها ربك".

2013/10/07

الراوي الذي خان

قال الراوي: كان يا ما كان في قديم الزمان، رجل مُنعم له أرض واسعة، لم يأتي يوماً بمساح يقيسها بالفدان، و لم يُفكر يوماً بحسابها بالهكتار. كانت تُدر عليه خير وفير و تأتيه بالمال الكثير. مما جعل الحساد يذهبون إلى أن رزقه لا تأكله النيران، و لن يقهره سلطان، و لن يدور به الزمان.. مات الرجل و ترك وراءه أربعة أو خمسة من الأبناء. لم يختلف الأخوة في قسمة المال، لكن الأرض كانت محل خلاف، فشرقها كان فيه كروم العنب و الزيتون، و جنوبها كان فيه بئر المياه التي لا تجف، و في غربها كان هناك غابة كثيفة يحتطبون منها طوال العام، و شمال الأرض كان جنان وارفة الظلال لا تكاد تذبل لها زهرة إلا لتُزهر أخرى. احتاروا كيف يقتسمون الأرض و كلهم راضٍ. تدخل بينهم أهل الرأي، ثم أهل الحل و العقد، ثم قضاة المدينة، تدخل حتى كبير القضاة. لم يصل أحد منهم لحل، وظل الأخوة في حيرة لا تُفضي لشيء. تناقشوا و تحاوروا قليلاً ، لكنهم تأمروا كثيراً دون الوصول لحل. اختلفت بعد ذلك الروايات، و إن كان ما رسخ منها في أذهان الناس، أن الأخوة وصلوا إلى حل كان مرضٍ لهم جميعاً، كان الحل  مرضٍ لأي منهم لأنه كان يُغيض كل الآخرين. اتفقوا على إحراق الأرض و ردم بئرها، فتساوت كل جهاتها في جردائها، و تشابهت كلها في لونها الرمادي القاتم. تساوت الأرض فسهلت عليهم قسمتها. و عمد كل منهم إلى المال الذي يملك فابتنى له قصراً في جنته رمادية اللون. عندما نهضوا في الصباح لم يجدوا الكروم التي منها يأكلون، و البئر التي منها يشربون و الغابة التي كانوا منها يحتطبون، و الحدائق الغناء التي كانوا بها يستظلون. حينها أدركوا أنهم كانوا في ضلالهم يعمهون... إلى هنا و أقفل الحكواتي كتابه، مبتسماً لمستمعيه ابتسامة صفراء، ثم نظر إلى صاحب المقهى و قمزه قمزة لا يمكن إلا أن تكون ذات مغزى.( المغزى ليس في بطن الشاعر فلا تسألوه)
حمد الرقعي

ترهلات وطن

صار يعتريه الشعور بالترهل منذ عقدين و نيف من الزمان، كان هذا الشعور يرتاده بين الفينة و الأخرى. لكن توالي السنون بذات الرتابة، جعل شعوره أكثر عمقاً، و جرحه أشد نزفاً و إيلاماً. تمادى ترهله حتى دحت بطنه، فجاوز الأمر الشعور، ليصبح محسوساً ملموساً منظوراً مسموعاً مشموماً. يتذوق العذابات، و يشتم الآهات و يجتر في بَلادة بقايا كرامة حدثه عنها الأجداد ذات يوم. فيما تلى من السنون، تمرد الأمر و خرج من بين يديه ليجاوز شعوره الداخلي الخفي، فيبان للجميع واقعاً يلحظه كل من يلتقية، متمثلاً في كرش هلامية متقيحة ذات طبقات يطبق بعضها على بعض، و كأنها تحاول الإمساك بما علق بينها من قذى، تصدر عنها رائحة نتنة، لن تتعرف حقيقتها إلا بعد تمكنها من صدرك، تتمادى في تمددها فتطال ما بعد الحدود و ما وراء البحار.
فكر فقرر فنفذ، فكر فيما فات و فيما هو آت، قرر أن يغير الثبات بالثبات، ثبات هذا الترهل صار مغلقاً له و للآخرين، لذلك قرر الثبات في وجه المزيد من ترهله، قرر محاربته، فصمد و صابر و هو يدافع الترهل، رغم تترع المزيد من القذى، و تفتق العديد من الجروح، و اختناق المزيد من الأنفاس بالرائحة النتنة. تخلص مما فيه من ترهل ، و بدأ نظاماً جديداً تعلقت به الكثير من الآمال. لكن حياة جديدة بلا ترهل تحتاج نظاماً حياتياً جديداً، و هذا لن بتيسر إلا بوصفة جديدة،  كان لابد من تطبيق الوصفة بدقة متناهية، لينجح النظام الجديد. أحضر كل مكونات الوصفة، ليضع المقدار المطلوب من كل منها. لكن و في غفلة منه، اعترت جسده رجفة، فسقط الميزان و اهتز الإناء و اندلقت كل المكونات فيه بلا أدنى حساب. و جد نفسه في موضع عجيب و وضع غريب، ينظر إلى إناءه و قد فاض بخليط غريب. ليس مجرد سلطة، بل هو هردميسة لا تُفضي لشيء.
بدأ الترهل يعوده من جديد، لكنه هذه المرة جاوز البطن ليشمل غيرها من الأعضاء. حتى تلك التي لم تترهل أصابها الوهن، نتيجة ترهل ما جاورها من أعضاء. في لحظات ضيقه، نسى ترهله القديم، و تناسى ترهله الجديد، فما عاد يذكر سوى معركته الفاصلة التي هزم فيها ذلك الترهل القديم.
الذين يتابعون حاله من بعيد، فيتمتعون بصورة بانورامية أوضح و أعم لما هو فيه، يؤكدون أن ترهله الجديد، و رغم توسعه و انتشاره، ليس له ذات الرائحة النتنة.

احذروا القاتل الصامت

يحتفل العالم كل عام بهذا اليوم- السابع من أبريل- الذي يوافق ذكرى تأسيس منظمة الصحة العالمية World Health Organization(WHO)  عام 1948. و في كل عام يتم التركيز على موضوع معين مثير للقلق على المستوى العالمي، حيث يتم التوعية به و طرق علاجه. و في هذا العام 2013 ينصب الاهتمام بمناسبة يوم الصحة العالمي على القاتل الصامت...
هو القاتل الصامت بالفعل، لا يحس به ثلثي مرضاه و هو يعيث فتكاً بأعضائهم الداخلية يوماً بعد يوم. يختار الأعضاء الحساسة من الجسد  كالدماغ و الكلى و القلب أو العين. و لن يكتشف مرضاه اعتداء هذا القاتل الصامت على أجسادهم إلا بعد أن يسقطوا صرعى لسكتة دماغية أو جلطة قلبية أو انهيار وظائف الكلى، ليتسبب في وفاة 9 ملايين شخص كل عام ... إنه مرض ارتفاع ضغط الدم.
يشير آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية، والذي يتضمن بيانات من 194 دولة، إلى أن شخصاً من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم مصاب بارتفاع ضغط الدم، تزداد هذه النسبة مع التقدم في العمر، حيث تبدأ بواحد من كل عشرة أشخاص في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم وترتفع إلى خمسة من كل عشرة أشخاص في الخمسينات من أعمارهم.
القاتل الصامت هو السبب وراء أكثر من 90% من النوبات القلبية و أكثر من 20 % من السكتات الدماغية. و يؤدي ارتفاع الضغط بمرور الزمن إذا لم يعالج إلى الفشل الكلوي و يمكن أن يسبب العمى.
جميع الدراسات و الأبحاث تؤكد إمكانية الوقاية والعلاج من ارتفاع ضغط الدم. و قد أثمر النجاح في الوقاية والعلاج من هذا المرض، و تجنب عوامل خطر أخرى مسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية عن خفض عدد الوفيات الناجمة عن أمراض القلب.
ففي الدول المتقدمة ومع التشخيص المبكر والعلاج المنخفض التكاليف قل ارتفاع ضغط الدم الحاد مما أدى إلى إقلال الوفيات.
أما في دول العالم الثالث  فإن أكثر من 40% من البالغين في العديد من البلدان يعانون من ارتفاع ضغط الدم، ومعظمهم يبقى بلا تشخيص على الرغم من إمكانية معالجة معظم الحالات بتكاليف منخفضة مما يقلل من خطر الوفاة.
يمكن الحد من مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم عن طريق: الإقلال من تناول الملح – إتباع نظام غذائي متوازن- تجنب التدخين و  تناول الكحول - ممارسة النشاط البدني بانتظام - الحفاظ على الوزن و تجنب السمنة.
هذه السبل تبدو محدودة في تعدادها بسيطة عند سردها، لكن تطبيقها لا زال يعجز عنه عدد غير قليل. فمازال يعاني 2.3 مليار من البشر من زيادة الوزن و قرابة المليون يعانون السمنة و آثارها السيئة و على رأسها ارتفاع ضغط الدم.
في عالمنا العربي ما زال التخلص من سمنتنا و ترهل أجسادنا يُعجزنا فثالث معدلات السمنة في العالم نجده في المملكة العربية السعودية بنسبة 35.6 من سكانها بينما تأتي الإمارات في المرتبة الرابعة بنسبة 33.7 % و في المرتبة السادسة نجد البحرين بنسبة 28.9 و مصر و الكويت وقطر نجدها ضمن متصدري قائمة السمنة في العالم .
الدراسات العلمية أثبتت كذلك أن الإفراط في تناول ملح الطعام يتسبب في وفاة ما يقرب من 2.3 مليون شخص كل عام، و أظهرت إحدى الدراسات  أن نسبة 15 في المائة من وفيات النوبات القلبية و السكتات الدماغية وغيرها من أمراض القلب كانت بسبب الإفراط في تناول ملح الطعام و كان ارتفاع الضغط هو الوسيط الدائم بين الإكثار من تناول الملح و حدوث الأضرار بالقلب و الدماغ.
 معظم مجتمعاتنا العربية ما زالت تعتاد استعمال كميات زائدة من الملح في طعامها اليومي. ففي الإمارات نجد الفرد يستهلك يومياً غرامين من الملح أكثر مما هو موصى به دولياً مما يزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم.
كذلك يظل التدخين أحد أهم الأسباب لتصلب الشرايين و ارتفاع ضغط الدم، و عالمنا العربي ليس ببعيد عن صدارة قائمة ممارسي هذه العادة. فوفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية حول معدلات التدخين والدول الأكثر تدخيناً في العالم, تأتي سوريا ولبنان في المركزين الخامس والسادس عالمياً حيث أن الإحصائيات تقول أن 62% من الرجال في سوريا مدخنون وتليها لبنان بنسبة 61% ، بينما تحتل نساء لبنان وفق بعض الإحصائيات العالمية المركز الأول عالمياً ضمن أكثر الدول تدخيناً بين النساء حيث تصل نسبة النساء المدخنات في لبنان إلى 57.1%.
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن قرابة مليوني شخص يلقون حتفهم كل عام بما يعادل 6 % من مجموع الوفيات في العالم بسبب قلة ممارسة النشاط الرياضي.
وترى المنظمة أن الأشخاص الذين يمارسون نشاطا رياضياً منتظماً يحافظون على جسم سليم كما تنخفض لديهم نسبة الإصابة بأمراض الشرايين التاجية و ارتفاع ضغط الدم الشرياني والأزمات الدماغية.
و تجمع العديد من الدراسات أن 15 دقيقة من الرياضة المكثفة و بشكل يومي, كافية للوقاية من المخاطر الصحية, و الحصول على حد أدنى من اللياقة المطلوبة, و ذلك بافتراض وجود نشاط يومي مستمر, وهوايات تتطلب مجهود جسدي.
بينما أوصت بعض البحوث البريطانية العامة بممارسة الرياضة لمدة 150 دقيقة أسبوعيا, و تقسيمها بشكل يومي بواقع 30 دقيقة خمس مرات أسبوعيا, بينما ترى مراكز الوقاية و الحماية من الأمراض أننا بحاجة إلى 30 دقيقة من الرياضة المتوسطة يوميا, من أجل الحصول على الوقاية الكافية من الأمراض.
في مجتمعنا العربي نكاد نقف بكليتنا بعيداً عن هذا الأسلوب الوقائي من الأمراض، ففي إحدى الدراسات تبين أن 91% من العرب لم يفكر أبداً في ممارسة الرياضة بعد إنهائه مراحل الدراسة.
إن الهدف النهائي ليوم الصحة العالمي 2013 هو خفض معدلات الإصابة بالنوبات القلبية و السكتات الدماغية. و تحقيق هذا الهدف النهائي يحتاج لتحقيق العديد من الخطوات كما قررتها منظمة الصحة العالمية و هي:
-         التوعية بمسببات ارتفاع ضغط الدم و مضاعفاته و سبل الوقاية منه.
-         التشجيع على القيام بالفحص الدوري لضغط الدم، و جعل وسائل قياس ضغط الدم في متناول الجميع.
-         تحفيز السلطات الوطنية والمحلية على تهيئة بيئة مؤاتية للسلوك الصحي.
هذه الأهداف نظل قاصرين عن إيفائها في الوقت الحالي في أغلب المناطق العربية، لأنها تعتمد بشكل كبير على وعي المواطن. و الرفع من مستوى الوعي يستلزم جهداً مضاعفاً يكاد يطال كل مؤسسات الدول و كل مكونات المجتمع، من مؤسسات صحية و مؤسسات تعليمية و أدوات إعلامية و حتى المساجد و الجمعيات الأهلية و الخيرية. تكاتف جهود الجميع هو ما سيخلق الوعي لدى الجميع، و هذا الوعي هو الذي سيطلق طاقة الفعل لدينا.

و تستمر رجلة التيه

جنحت بهم سفينتهم، تاهت في شتى البحور أربعين حولاً و حول و حول، رأوا بِحاراً بلون الدم، و دوار يُخرج الجماجم من عمق البحر. سمعوا الحوريات يئنن كالثكالى، رأوا بأم العين القرش يناور مندحراً أمام صغير الإخطبوط. و اصطدمت سفينتهم غير مرة بجزر يلفها الظلام، و تعمها أنتن رائحة تُشم. لم تكن الشمس تًشرق و لم يكن القمر يضيء. سئموا رؤية ما لم تألفه نفس الكريم، فاجتمعت أياديهم ذات يوم، لتضبط الدفة في وجهة واحدة، ليبعدوا سفينتهم عن بحور الضياع. أفلحوا فتوقف التيه لبرهة، فأبحروا في سلام حتى أبصروا منارة قريتهم الهادئة، شمروا عن سواعدهم و أنزلوا خمسة أو ستة قوارب ليقطروا بها السفينة نحو شط الأمان فلا تعبث بها الأنواء، اقتسموا القوارب فيما بينهم، فكانت كل ثلة منهم في قارب، شرعوا في قطر سفينتهم. لكن الآخر استهزأ بقواربهم، فشرع كل قارب يجر السفينة في اتجاه، بعضها متجه نحو الشاطئ و البعض الآخر يحاول سحب السفينة إلى عُمق البحر، بعضها يتجه غرباً، و الآخر شرقاً. لم يكن أحد منهم يسمع الآخر، و لم يكن منهم منصت لصراخ أهل المدينة الواقفين مشدوهين على الشاطئ، تعتريهم الدهشة وهم يسمعون صراخ السفينة من أثر سحبها من كل اتجاه. و حتى هذه اللحظة مازال كل قارب يسحب في اتجاه، دون أن يصغي أحد منهم سمعه للآخر و ما زالت السفينة تئن.