2013/10/07

و تستمر رجلة التيه

جنحت بهم سفينتهم، تاهت في شتى البحور أربعين حولاً و حول و حول، رأوا بِحاراً بلون الدم، و دوار يُخرج الجماجم من عمق البحر. سمعوا الحوريات يئنن كالثكالى، رأوا بأم العين القرش يناور مندحراً أمام صغير الإخطبوط. و اصطدمت سفينتهم غير مرة بجزر يلفها الظلام، و تعمها أنتن رائحة تُشم. لم تكن الشمس تًشرق و لم يكن القمر يضيء. سئموا رؤية ما لم تألفه نفس الكريم، فاجتمعت أياديهم ذات يوم، لتضبط الدفة في وجهة واحدة، ليبعدوا سفينتهم عن بحور الضياع. أفلحوا فتوقف التيه لبرهة، فأبحروا في سلام حتى أبصروا منارة قريتهم الهادئة، شمروا عن سواعدهم و أنزلوا خمسة أو ستة قوارب ليقطروا بها السفينة نحو شط الأمان فلا تعبث بها الأنواء، اقتسموا القوارب فيما بينهم، فكانت كل ثلة منهم في قارب، شرعوا في قطر سفينتهم. لكن الآخر استهزأ بقواربهم، فشرع كل قارب يجر السفينة في اتجاه، بعضها متجه نحو الشاطئ و البعض الآخر يحاول سحب السفينة إلى عُمق البحر، بعضها يتجه غرباً، و الآخر شرقاً. لم يكن أحد منهم يسمع الآخر، و لم يكن منهم منصت لصراخ أهل المدينة الواقفين مشدوهين على الشاطئ، تعتريهم الدهشة وهم يسمعون صراخ السفينة من أثر سحبها من كل اتجاه. و حتى هذه اللحظة مازال كل قارب يسحب في اتجاه، دون أن يصغي أحد منهم سمعه للآخر و ما زالت السفينة تئن.
 

ليست هناك تعليقات: