2013/03/26



اليوم العالمي للتوحد
د. حمد الرقعي

في العام 2007 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثاني من أبريل كيوم عالمي للتوحد، بهدف التعريف بـهذا المرض، الذي يطال اليوم 67 مليون شخص يعيشون بيننا، لكن مصابهم ينأ بهم عنا ليعيشوا في وحدة متواصلة يفرضها عليهم التوحد الذي يعانونه.
يتم تشخيص التوحد بناء على سلوك الشخص، لذلك تتعدد أعراض هذا المرض التي تظهر في العادة خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل، و تنتج عن اضطراب عصبي يؤثر على وظائف المخ، تصيب أعراضه الذكور أكثر من الإناث.
يصيب مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي ، فيفضل المريض العزلة و يعاني صعوبة في التواصل البصري و السمعي، فلا يُظهر المصاب بالتوحد أي استجابة عند مخاطبته ليبدو كالأصم رغم أنه سليم السمع.
 و يصعب عليه التعبير عن احتياجاته، و قد يعاني نوبات من الضحك والبكاء دون أسباب واضحة، مع صعوبة في الاختلاط مع الآخرين. و يظهر المصابون بهذا الاضطراب سلوكاً متكرراً بصورة غير طبيعية، كالتصفيق باليدين لفترات طويلة، والتحديق في اليدين ووضعهما أمام العينين، و قد يرتبط بشيء ما بصورة مبالغ قيها، كاللعب بلعبة واحدة طوال الوقت دون محاولة التغيير إلى لعبة أخرى، فنجده مثلاً يقوم بتحريك طبق بشكل دوراني لفترة طويلة دون توقف. و بشكل عام نجد لدى المصاب ممانعة دائمة للتغيير.
و هناك العديد من المؤشرات التي تستلزم انتباه الأهل و طلب الاستشارة الطبية عند ملاحظتها، كعدم ابتسام الطفل حتى شهره السادس، و عدم تبادل الأصوات و تعابير الوجه حتى 9 أشهر، و عدم المناغاة بعمر 12 شهر، و عدم الكلام بعمر 16 شهر. و عدم الرد عند مناداته باسمه في عمر العشرة أشهر.
حتى هذه اللحظة لم يتم التعرف لأسباب التوحد، رغم أن معظم البحوث تشير إلى وجود عامل جيني له تأثير مباشر في الإصابة بهذا المرض، حيث تزداد نسبة الإصابة بين التوائم المتطابقة  أكثر من حدوثها لدى التوائم غير المتطابقة.
و لوحظ من خلال العديد من الدراسات تواجد زيادة متسارعة في عدد الأطفال المصابين باضطراب التوحد ، ففي أمريكا كان معدل انتشار التوحد في عام 1970م حالة واحدة بين كل 2500 شخص وفي عام 1999 ارتفع الرقم الى حالة واحدة لكل 285 وفي عام 2007م كان حالة واحدة في كل 150 طفل، و في العام 2009 حالة واحد في كل 91 طفلظ و هي الأن حالة في كل 88 طفل. و يمكن إرجاع هذا الازدياد المضطرد لتطور وسائل التشخيص، و وعي أولياء الأمور بهذا المرض و طلبهم المعونة الطبية، في حين لم يكن يلتفت الأهل لهذه الأعراض في السابق.
في العالم العربي نفتقر لدراسات موسعة لأعداد المصابين بالتوحد. و اعتماداً على بعض الدراسات التي أجريت بالمنطقة العربية، لا نجد اختلافاً كبيراً عن الدراسات العالمية ففي السعودية  أظهرت دراسة نسبة 1% و في الإمارات ارتفعت الإصابة بالمرض من 0.9% إلى 1.1% خلال السنوات الأخيرة. و في مصر يقدر عدد المصابين بالتوحد بعدد 800 ألف مصاب، و إن كانت بعض الدراسات الأخرى ترفع الرقم لأكثر من ذلك.
 يحتاج هؤلاء الأطفال علاجاً طويل الأمد في مراكز متخصصة و بتكلفة كبيرة، لأنه يعتمد على أيدٍ خبيرة، و في معظم الحالات يحتاج كل طفل لمدرب خاص به. الأمر الذي يعجز عنه الأهل بمفردهم  أو الجمعيات الخيرية أو مؤسسات الدولة لوحدها، بل هو أمر يستلزم تظافر جميع الجهود.
و من المهم هنا أن نؤكد أن التشخيص السريع لهذا المرض لاشك يقدم الكثير للطفل، فمما يعيق تحسن المصابين في مجتمعاتنا العربية، أن عدد غير قليل من الأهل يعمدون إلى إخفاء مرض طفلهم و إبقاءه بالمنزل، إما لخجلهم من مواجهة المجتمع بمرض طفلهم، أو لاجتناب تحمل تكلفة العلاج الذي لا يؤمن معظمهم بفعاليته.
إن التوعية بهذا المرض، طبيعته و ضرورة التشخيص السريع، و فعالية العلاجات المتبعة في المراكز المتخصصة، تظل دور هام يجب أن يتحمله كل صاحب قلم أو معتلٍ منبر. لعل ذلك ينير الطريق لعائل فيكون فيه كثير الخير لطفل، ننقذه من وحدتين توحد المرض و توحد تفرضه عليه أسرته بعزله عن مجتمعه.
في الختام أختم بما ختم به بان كي مون رسالته التي وجهها للعالم بمناسبة اليوم العالمي للتوحد " دعونا نواصل العمل جنباً إلى جنب مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد، و لنكن داعمين لهم للتصدي للتحديات التي يواجهونها لنضمن لهم حياة منتجة هي حقهم الطبيعي".
-        أول من استخدم كلمة Autism للدلالة على هذا المرض هو العالم النفسي السويسري إيوجين بلوار Eugen Bleuler  عام 1911 و هي كلمة يونانية تعني "بنفسه".
.
للتواصل hamsam3@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: