2010/05/25

تسول ضار

الدواء حق لكل إنسان، يجب أن يحصل عليه كل محتاجٍ إليه . ولكن يجب علينا جميعاً اتباع الطريقة الصحيحة لتحصيل هذا الحق . وهذا طريق سهل ميسور ، يتمثل في الذهاب إلى الطبيب ليكتب وصفة طبية تؤخذ للصيدلي ليصرف على ضوءها الدواء المناسب ، أما ما يقوم به البعض فلا نستطيع إلا أن نعتبره تسولاً، وهو تسول من النوع الضار . فهذا شخص يمد يده للصيدلي سائلاً إياه أن يعطيه دواء . يسأله الصيدلي عن الوصفة الطبية فيجيبه بأن لا وصفة طبية لديه ، ويظل يؤكد أن شفاءه في مبتغاه .


إن طلب المريض للدواء بدون وصفة طبية صار ظاهرة نستطيع تبين مدى انتشارها بمجرد الوقوف أمام شباك إحدى الصيدليات. وحصول هؤلاء على الدواء بهذه الطريقة لاشك يمثل مشكلة كبيرة على مستوى مستعمل الدواء ، وعلى مستوى المجتمع بشكل عام ، ويمكن عرض تلخيصاً لأهم هذه الأضرار فيما يلي :

1. قد يؤدي تناول الدواء دون إشراف طبي إلى حدوث مضاعفات خطيرة . فالأسبرين الذي يعتقد البعض أنه دواء بسيط لا يمكن أن يسبب ضرراً ، حتى أن البعض لم يعد يعتبره دواءً بل يعتبره من ضمن عاداته كشرب الشاي وتدخين السجائر ، هذا الأسبرين الذي نتناوله بكل بساطة يمكن أن يؤدي باستعماله لفترة طويلة إلى مشاكل صحية كثيرة ليس أخرها قرحة المعدة .

2. لاحظت سيدة اختفاء مشكلة حب الشباب لدى إحدى صديقاتها باستعمالها لأحد الأدوية ، فبادرت هي إلى استعماله دون استشارة الطبيب ، فكانت النتيجة طفلاً مشوهاً ، فالطبيب وبكل تأكيد لم يصف هذا الدواء لصديقتها إلا بعد التأكد من عدم وجود الحمل ، فالكثير من الأدوية تحتاج قبل إعطائها لإجراء بعض التحاليل ، كالتأكد من عدم وجود حمل ، أو التأكد من سلامة الكبد ، أو لإجراء تحاليل للتأكد من قدرة الكلى على التعامل مع الدواء الموصوف .

3. استعمالك لدواء شفي به صديقك يعاني نفس اعراضك لا يعني أنه سيشفيك ، لأن كل شخص له خصوصيته عند علاجه فما يتحكم في وصف الطبيب للعلاج ليس التشخيص وحده بل هو ناظر إلى المريض كوحدة واحدة. والعوامل المحددة لما يصفه من دواء ليس تشخيص المرض وحدته فحسب، بل أن عوامل عده تحكمه عند تقريره العلاج.

4. إقبال الناس على علاج معين بكثرة ، قد يؤدي إلى تولد مناعة داخل المجتمع تُفقد هذا الدواء مفعوله المعول عليه في شفاء المرض .

غريب جداً إقدام البعض على التهام الأدوية دون استشارة طبية . البعض وبكل بساطة ينسب ارتفاع درجة حرارته إلى الالتهاب ويبادر إلى الصيدلي يطلب منه المضاد الحيوي !!!

فلتعلم إذاً أن أصغر صيدلية لا يمكن أن تحتوي أقل من مائة نوع من المضادات الحيوية ، فأي نوع تريد ؟ وكم مرة ستستعمله في اليوم ؟ وهل ستأخذه قبل الطعام أم بعده ،ومتى تتوقف عن تناوله ؟

لا تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة ، فحتى الصيدلي لا يستطيع أن يجيبك عنها ، بل حتى الطبيب لن يجيبك عنها إلا بعد أن يوقع عليك الكشف الطبي اللازم ليصل إلى التشخيص ، فإذا وجد أن مرضك سببه عدوى ما، بحث عن سبب هذه العدوى . هل هي التهاب بكتيري أم فيروسي أم هو التهاب فطري ، فإذا كان التهاباً فيروسياً فلا يجوز في مثل هذه الحال إعطاء المضادات الحيوية لأنها ستقتل البكتيريا المعششة داخل الجسم بصورة طبيعية والتي يعول عليها في المساعدة في القضاء على الفيروسات ، أما إذا كان سبب العدوى بكتيرياً صار من الضروري استخدام المضادات الحيوية . لكن المضادات الحيوية كثيرة وأنواع البكتيريا أكثر، فهذه بكتيريا لا تتأثر بهذا النوع من المضادات الحيوية ، وهذه أخرى قد اكتسبت مناعة منذ عامين ضد هذا النوع من الأدوية ، وهذه بكتيريا تحتاج لأكثر من نوع من المضادات الحيوية ، ثم أن العلاج يختلف تبعاً لمكان الالتهاب وطبيعته وحدته ، فهذا التهاب سطحي بالجلد نكتفي بالمرهم له علاجاً ، وهذا التهاب بالجلد أيضاً ولكنه أكثر انتشاراً ويمتد إلى ما تحت الجلد ، يستلزم إعطاء المريض دواء عن طريق الفم ، وهذا التهاب أوصل صاحبه لحال سيئ يحتاج علاجاً سريعاً عن طريق الوريد ليصل الدواء إلى الدم مباشرة . فإذا ما حدد الطبيب نوع العدوى والبكتيريا المسببة لها ، واختار المضاد الحيوي القادر على قتل هذه البكتيريا ، واختار الطريقة المثلى لإعطاء هذا الدواء أما عن طريق الفم أو العضل أو الوريد أو غيرها ، نظر إلى خواص هذا الدواء الذي وصفه وعين الجرعة اللازمة منه وفقاً لما يحتاجه كل كيلوجرام من وزن المريض . ثم ووفقاً لمعدل طرد الجسم لهذا النوع من الأدوية، وتبعاً لعمر المريض وحالته الصحية العامة يحدد بعد كم من الوقت يحتاج المريض لأخذ جرعة أخرى . فإذا كان المريض مسنناً ربما احتاج وقتاً أطول لطرد الدواء، وهذا يستلزم تخفيضاً للجرعة وربما كان للدواء تأثيراً على الكبد أو على الدم أو على نخاع العظام المنتج لكرات الدم ، الأمر الذي يدعو الطبيب المعالج لإجراء التحاليل قبل بدء العلاج للتأكد من سلامة هذه الأعضاء، وبعد بدء العلاج من أجل ملاحظة عاجلة لأي أثر للدواء عليها . وقبل هذا وذاك هناك أدوية لا تعطى للأطفال وأدوية لا تعطى للحوامل لأنها تسبب تشوهات للجنين، وبعضها يسبب الإجهاض ، وهناك أنواع من الأدوية لا تعطى لكبار السن وأخرى لا تعطى لمرضى القرحة وأخرى لا تعطى لمرضى السكر و…

وبعد كل هذا ينظر الطبيب إلى ما يأخذه المريض من أدوية أخرى لتجنب أي ضرر ينتج عن تفاعل الأدوية داخل الجسم ، ولا ينسى إلقاء نظرة على طعام المريض يستثني منه ما لا يتمشى مع العلاج الموصوف وما لا يتمشى مع طبيعة المرض ، ثم يحدد الطبيب مدة العلاج التي يجب ألا يوقف المريض تناول العلاج قبلها .

وبعد … هل يستمر عاقل في تسول العلاج من أبواب الصيدليات …مجنون من يتسول الدواء من جاره ، ومجنون ذلك الجار الذي يهدي الدواء لجاره .

ليست هناك تعليقات: