2010/05/25

التداوي بالأعشاب


التداوي بالأعشاب
يجب فيمن يصف الدواء أن يكون مدركاً لما يمكن أن ينتج عن تناوله من مضاعفات جانبية

"تبين اليوم أن لمعظم الأمراض علاجاً ضمن المملكة النباتية"

إن العلاج باستخدام الأعشاب الطبية هو أسلوب علاجي بات الجميع يؤمن به ويؤيده، لكن ذلك لا يعني أبداً البحث عن وصفات بين صفحات المجلات لتطبيقها ، ولا يعني كذلك أخذ ما يصفه لك أحد الجيران لتطبقه على طفلك ، وقطعاً لا يعني الذهاب لأحد مدعي الخبرة بهذا العلاج .

يرجع استخدام الأعشاب في التداوي من الأمراض إلى العصور الأولى، فأوراق البردي وقبور الفراعنة دلت على معرفتهم بالأعشاب واستخدامها كدواء ، وقدماء الهنود مارسوا هذا العلم أيضاً ، وكذلك أهل اليونان الذين اشتهر منهم أبقراط وتيوفراستوس وديسكوريدس . وجاء بعد اليونان العرب الذين برع أطبائهم في العلاج بالأعشاب وبرز منهم الرازي وابن سينا وابن البيطار وغيرهم. يقول داود الأنطاكي الذي يؤرخ لطب الأعشاب " وأول من ألف في هذه الصناعة ديسقوريدس- ويعيب عليه إهماله بعض العقاقير النباتية – ثم روفس ثم فوليس ثم أندروماخس . من بعد ذلك انتقلت الصناعة إلى أيدي النصارى ومنهم دويدرس البابلي وإسحاق بن حنين الذي عرب اليونانيات والإسحاقيات ، ثم تلاه ولد حنين ، ثم انتقلت صناعة التطبيب بالأعشاب إلى المسلمين ، وأول واضع فيها الكتب من هذا القسم الإمام زكريا بن محمد الرازي ، ثم أبن سينا رئيس الحكماء ثم ابن الجزاز وابن الدولة وابن التلميذ وابن البيطار ".

وقد بذل هؤلاء كل الجهد في سبيل زيادة كمهم المعرفي حول الفوائد الطبية للأعشاب وتكبدوا في سبيل ذلك الكثير من المشاق ، فهذا فتى من فتيان أسرة ابن البيطار في ملقة بالأندلس ، ما كاد يبلغ العشرين من عمره حتى جاب شمال أفريقيا من مراكش إلى تونس والجزائر وليبيا ليصل إلى مصر بحثاً عن النباتات في مواطنها ، دارساً لصفاتها متعرفاً فوائد كل منها . ومن مصر اتجه إلى أسيا ، فجمع ما توصل إليه من معرفة بالأعشاب في مؤلفين اولهما "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" و ثانيهما " المغني في الأدوية المفردة في العقاقير " .

البداية

إن معالم البدء في علاقة الإنسان بالنبات كعلاج ليست واضحة ، فهذه أسطورة تقول أن طبيباً إغريقياً أصيب بورم في ذراعه فكان يذهب إلى شاطئ البحر يستلقي عنده في محاولة منه لتناسي ألمه . وذات يوم اشتد به الألم وهو مستلقٍ عند ذلك الشاطئ فاقتطع نباتاً وجده بجواره وضغط به على الورم لعل إحساس الضغط يحل محل الإحساس بالألم فيمنحه بعض الراحة ، فأحس بعد وقت قصير أن الألم قد خف فداوم على فعل ذلك ليجد أن الورم قد زال بعد أيام .

وإن لم تكن البداية على هذه الصورة ، فإنها لا يمكن بأي حال إلا أن تكون قريبة منها ، فبدء العلاقة بين الإنسان واستخدامه للأعشاب كعلاج لم تكن يوريكا أرخميدس، بل هي محض صدفة كما هو الحال في الكثير من الأشياء كاكتشاف الإنسان القديم للنار ، واكتشاف كولمبس للقارة الأمريكية وغيرها .

لقد توصل الإنسان وخلال رحلته الطويلة إلى كم معرفي هائل حول استخدامات الأعشاب كعلاج ، وكتبت في هذا العلم المئات من المصنفات في شتى أنحاء العالم . إلا أنه ومع بدء الثورة الصناعية بدأ الاهتمام بالأعشاب واستخداماتها الطبية يتضآل شيئاً فشيئاً حتى كاد أن يتلاشى ، إلا في مجتمعات لم تطالها المدنية الحديثة. إلا أنه وفي وقت تالٍ تصاعدت الدعوة للتداوي بالأعشاب من جديد ، ومما جعل هذه الدعوة تحضى بالاهتمام أنها كانت تصدر عن هيئات علمية متخصصة . والسبب وراء هذه الدعوة التي تزداد الحاحاً كل يوم هو الأبحاث العلمية التي تتخذ من المنهج التجريبي أساساً لها، فقد تبين للبحاثة في هذا المجال أن لمعظم الأمراض علاجاً ضمن المملكة النباتية ، يوازي في مفعوله نظيره المنتج في مصانع الأدوية من المركبات الكيميائية.ثم إن الأبحاث العلمية تخرج علينا كل يوم بجديد عن الأعراض الجانبية التي تحدثها الأدوية المحتوية على مركبات كيميائية . هذا الجانب الذي تتفوق فيه الأعشاب الطبية أيما تفوق ، إذ يؤكد الجميع بأن الأعراض الجانبية الناتجة عن تناول الأعشاب هي أقل بكثير من تلك التي تسببها الأدوية ، من ناحيتي الحدة ومعدل الحدوث ، بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي؛ حيث أن تكلفة إعادة صياغة الأعشاب الطبية كعلاج لا تمثل شيئاً بالنسبة لتلك التي تصرف في سبيل تصنيع الدواء أو شراءه، وهذا أمر هام لا يمكن تجاهله بالنسبة للدول النامية .

لسنا هنا في مجال استعراض أفضلية التداوي بالأعشاب ، ومهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك ، نستطيع القول إن الحملة المؤيدة لاستخدام الأعشاب كعلاج قد نجحت ، وها نحن نرى الكثيرين في جميع أنحاء العالم يركضون وراء العشابين بعد أن كانوا يلهثون وراء الأطباء والصيادلة . وها هي المكتبات تمتلئ بالكتب الخاصة بالأعشاب الطبية، وهاهي دكاكين العطارين لا تكاد تخلو منها مدينة أو قرية .

في ظل هذا الوضع لم يعد المريض يجد أيما حرج في سؤال طبيبه عن فائدة نبات ما في علاج مرضه الذي جاء به، وتكون نصيحة الطبيب في العادة بضرورة تناول ما وصف له من الدواء دون الالتجاء إلى أي علاج آخر .ليس إنكاراً من الطبيب لأهمية التداوي بالأعشاب أو تنكراً لها ، فكما بينّا منذ قليل أصبح واضحاً اليوم ما يتمتع به هذا النوع من العلاج من مميزات مقارنة بالعلاج المعتمد على المركبات الكيميائية المصنعة .

مصادر المعلومات

لقد جاء هذا المريض يطلب الرأي حول استعمال نبتة محددة في علاج مرض محدد. فمن أين جاء المريض بهذه المعلومة ؟ وما مدى المصداقية التي تتوفر لمصدرها ؟

إن المعلومات المتداولة في مجتمعنا حول استعمال الأعشاب كدواء تكاد تنحصر في مصدرين اثنين :

المصدر الأول يتمثل في أشخاص يمتهنون المداواة بالأعشاب ، ورث بعضهم هذه المهنة عن أسلافه والبعض الآخر تعلمها بطريق الصدفة والتجربة . وتخرج هذه المعلومات من عند هؤلاء ناقصة – إذا سلمنا بصحتها – لتنتشر من شخص إلى آخر بعد أن يكون كل منهم قد أضاف إليها أو حذف منها وفقاً لما تفرضه حصيلته المعرفية وقدرة ذاكرته على الاختزان.

أما المصدر الثاني الذي تستقى منه هذه المعلومات فهو الكتب التي تتحدث عن استخدامات الأعشاب الطبية ، وبعض المجلات التي جعلت من طب الأعشاب –موضة- لابد أن تزين بها كل عدد من أعدادها، وتكون هذه المعلومات في أغلب الأحيان غير كاملة وغير ملمة بكل جوانب الموضوع . إذ يكون التركيز دائماً على طريقة الاستخدام والنتيجة المرجوة ، دون الالتفات إلى الأعراض الجانبية المتوقعة ، وموانع استخدام هذه الأعشاب .

نعم ... نستطيع أن ننصح المريض المصاب بفقر الدم نتيجة نقص عنصر الحديد في جسمه بأن يكثر من تناول الخضروات واللحم والتفاح لغنى هذه المواد بعنصر الحديد، ونستطيع أن نصف الليمون والحمضيات بوجه عام لمرضى الأسقربوط لغنى هذه المواد بالفيتامين " ج " ونستطيع أن نكتب مقالاً عن أهمية الألياف في غذاء المسنين، وربما ألفنا كتاباً فيما يجب أن تتناوله المرأة الحامل من طعام . فلكل مريض أغذية ننصحه بتناولها تبعاً للمرض المصاب به ، وجميع هذه النصائح تعتمد أسساً علمية ثابتة . وهذا هو ما يجب أن يراعيه كل واصف لدواء ، سواء كان ما يصفه في صورة نبات أو قرص دواء أو حتى نوع من الغذاء . وهذه الأسس تتمثل في تشخيص سليم للمرض ، وتحديد حدته وتحديد الأسلوب العلاجي المناسب، فإذا لزم لعلاجه دواء حددنا ما قد ثبتت فعاليته من الدواء لهذا المرض وفقاً لما توصلت إليه الأبحاث الطبية وليس وفقاً للنقل والإخبار ، ويجب أن نحدد التركيز الذي يأخذ به المريض الدواء وعدد مرات تناوله كل يوم وكيفية تناوله، وأخذه قبل الأكل أم بعده . كل هذا يتم بناء على خصائص الدواء الذي نصفه ، ويجب فيمن يصف الدواء أن يكون مدركاً لما يمكن أن ينتج عن تناوله من مضاعفات جانبية ، وأن يكون متأكداً من توفر العلاج اللازم لهذه المضاعفات .

من يصف الدواء

إن العلاج باستخدام الأعشاب الطبية هو أسلوب علاجي بات الجميع يؤمن به ويؤيده، لكن ذلك لا يعني أبداً البحث عن وصفات بين صفحات المجلات لتطبيقها ، ولا يعني كذلك أخذ ما يصفه لك أحد الجيران لتطبقه على طفلك ، وقطعاً لا يعني الذهاب لأحد مدعي الخبرة بهذا العلاج .

عندما تم افتتاح أول صيدلية في أيطاليا عام 1224 م أصدر القيصر مرسوماً يحصر فيه تحضير الأدوية من الأعشاب الصيادلة فقط ، على أن يحدد المعالج مقدار العلاج وكيفية استعماله.

إن التداوي بالأعشاب يجب أن يكون عند شخص متخصص ، درس فسيولوجيا الجسد وتشريحه وعرف الأمراض وأعراضها والتغيرات التي تحدثها بالجسم . بهذه الطريقة فقط يستطيع تقديم العلاج ، يدرس الأعراض التي يشكو منها المريض وعلاقة مجموع الأعراض ببعضها ليصل إلى تشخيص معين. وربما احتاج المعالج إلى مساعدة الطبيب للوصول إلى التشخيص الصحيح . ومن خلال التشخيص يتم التوصل إلى الخلل الحادث بالجسم وبالتالي اختيار الدواء المناسب له . والشخص المتخصص بطب الأعشاب وحده يستطيع تحديد الجرعة التي يحتاجها المريض وفقاً لطبيعة المرض وعمر المريض ووزنه وجنسه، وهو وحده العارف بالكمية اللازمة من النبات لتحضير الجرعة اللازمة، ووحده يعرف خصائص كل نبات والطريقة التي يحضر بها ، فبعضها يحضر في صورة مسحوق والبعض الآخر يذاب في الماء . وكل هذا يخضع لخصائص النبات ، والمتخصص في طب الأعشاب وحده يستطيع تقدير الجرعة اللازمة مما أعده من الدواء ، وبمعرفته لمعدل طرد الجسم لهذا النبات - الذي يختلف من شخص إلى آخر ومن نبات إلى نبات – بمعرفته لكل هذا يحدد المعالج المدة التي يعاد بعدها استعمال العلاج ، والمدة التي يجب بعدها عن تلقي العلاج.

ومن الدواء ما قتل

قيام البعض في الوقت الحالي بالاعتماد على العلاج بالأعشاب عند مدعيه يؤدي إلى الكثير من الأضرار ، نذكر منها على سبيل التمثيل ما يلي :

1- يعمد معظم مدعي العلاج بالأعشاب إلى استعمال النبات بكامله ، وهذا ما لا يأتيه المتخصص في هذا المجال الذي يعمد إلى استخلاص الجزء الذي يحتاجه المريض فقط. فاستعمال النبتة بكاملها سيؤدي إلى دخول جميع مكونات النبات إلى جسم المريض مما يعرضه لمواد لم يكن في حاجة إليها.

2- قد يعتمد المريض على الأعشاب مهملاً علاج الطبيب ، الأمر الذي يؤدي إلى سؤ حالته الصحية نظراً لتأخره في تلقي العلاج الصحيح عن المعالج المناسب، ونواجه خلال عملنا بالمستشفيات الكثير من مرضى السكر الذين يحضرون في حالة إغماء نتيجة اهمالهم العلاج واعتمادهم على الأعشاب ، وكم من مرضى ارتفاع الضغط انتهى بهم الأمر إلى حدوث الجلطة الدماغية أو السكتة القلبية نتيجة تركهم العلاج الموصوف لهم من قبل الطبيب والاعتماد على الأعشاب .

3- يعمد بعض مدعي العلاج بالأعشاب إلى استخدام نباتات تؤثر على مكونات الدم لدى المريض ، وتؤدي إلى إرباك فنيي التحاليل ، فتعطي التحاليل نتائج غير حقيقية ، تجعل الطبيب عاجزاً عن تقدير الحالة الصحية الحقيقية للمريض .

4- استعمال بعض النباتات من قِبل مدعي العلاج بالأعشاب قد يؤدي إلى ضرر مباشر ، وتواجهنا الكثير من حالات الثعلبة بالرأس (غياب الشعر في منطقة محدودة بالرأس ) تم علاجها لدى مدعي العلاج الطبيعي بحكها بالثوم والتخديش ، الأمر الذي يؤدي إلى قتل بصيلات الشعر لتصبح إعادة إنبات الشعر من الصعوبة بمكان .

5- إن مدعي العلاج بالأعشاب لم يتأتى لهم دراسة الأمراض النفسية ، وبالتالي فهم يعجزون عن التعرف على الأمراض النفسجسمية ( السيكوسوماتية )وهي عبارة عن أعراض عضوية ناتجة عن مشاكل نفسية تحتاج إلى استشارة أخصائي الأمراض النفسية . فتجدهم يعاملون هذه المشاكل على أنها عضوية ويحاولون معالجتها بالأعشاب .

خاتمة :

إن الشخص الذي نطمئن إليه اطمئناننا إلى الطبيب ونحن نتلقى العلاج على يديه هو ذلك الشخص المرخص له – من جهة علمية معتمدة – بمزاولة هذه المهنة ، لأنه وحده مدرك لجميع جوانب عمله متحملاً كامل المسئولية عنه، كما هو حال الأطباء الذين يعالجون مرضاهم بالأقراص والحقن .

ليست هناك تعليقات: