2010/11/05

عودة جاوه


في ظل المدنية الحديثة أصبح الإنسان وكأنه يدور في حلقة مفرغة ، فقد اضطرته هذه المدنية إلى الجري وراءها في لهاث مستمر فلا هي توقفت عن تقدمها ولا الإنسان استطاع أن يدركها .

كلٌ يحاول أن يثبت قدميه على هذه الأرض في سبيل تحقيق شيء ما لنفسه. وفي غمرة هذا اللهاث المتواصل ننسى أنفسنا .المدنية الحديثة قدمت لنا القلق الذي لا ينتهي فارتفع معدل الوفيات نتيجة أمراض القلب قلِقنا بشأن قَلَقِنا فقدمت لنا السجائر لندخن ونرفع نسبة أمراض القلب والسرطان بيننا . خدعتنا المدنية الحديثة بوسائل الراحة المختلفة ، بالسيارة والمصعد والآلة وغيرها ، وأوهمتنا بأن هذه الوسائل ستساعدنا في مطاردتها فاقتنعنا واعتمدنا على ما قدمته لنا فتعودنا الراحة والخمول وترهلت أجسادنا وأصبحنا عرضة لكل أمراض العصر من ارتفاع ضغط الدم ومرض السكر إلى السكتة القلبية والسكتة الدماغية .
ونستمر في صمت نتناول ما تقدمه لنا هذه المدنية من طعام لين يجعلنا عرضة لسرطان الجهاز الهضمي والتهاب الزائدة الدودية والإمساك المزمن وغيرها من المشاكل الصحية فإذا فكرنا في كل هذا شعرنا بالمرارة رغم ما نتناوله من السكريات التي لا يمكن إلا أن تترك أثراً على صحتنا . في ظل المدنية الحديثة أصبحنا نبتعد عن الطبيعة شيئاً فشيئاً لنعيش في جو صناعي أدى إلى تلوث الهواء من حولنا ،تلفظ مصانعه فضلاتها لتلوث البيئة المحيطة بنا . حتى الطعام الذي نقتات عليه دخلته الكيمياء والفيزياء وعلم الوراثة والميكروبيولوجيا لتحوله إلى صناعة ولتنسينا طعم –خبز أمي- وأخشى ما أخشاه أن تنسينا المدنية الحديثة أمهاتنا ذات يوم –إن لم تكن فعلت بعد- .

تقول الحكاية الإغريقية القديمة أن جاوه ابن الأرض كان يقف على قدمين راسختين في الأرض ويقاتل أعداءه ويهزمهم، حتى أدرك أحد أعدائه أن سر قوة جاوه هو التصاقه بالأرض فرفعه عن الأرض ثم هزمه . لقد خسر جاوه المعركة بابتعاده عن الأرض ونحن نخسر الكثير بانفصالنا عن الأرض وابتعادنا عن الطبيعة وتهافتنا على ما تقدمه لنا المدنية الحديثة، فارتفاع معدل الإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز الهضمي يرجع في أحيان كثيرة إلى اعتماد الإنسان على الطعام اللين وابتعاده عن الغذاء الطبيعي الغني بالألياف الذي يقي الجسم من الكثير من الأمراض ،وارتفاع استهلاك الدهون أدى إلي ارتفاع عدد المصابين بأمراض القلب ، والتدخين يؤدى إلى تصلب الشرايين وارتفاع الضغط ،و الحياة الجنسية غير المقيدة تؤدي إلى انتشار الإيدز والالتهاب الكبدي،وتناول الكحول لاشك ينتهي إلى قرحة بالمعدة أو تليف بالكبد.

هذه هي الهنات التي طالت صحتنا فهل نستطيع مواجهتها قبل فوات الأوان أم أن خشيتنا فوات الأوان يصبح قلق جديد يضاف إلى مجموع ما جادت به علينا الحياة المدنية الحديثة.

ليست هناك تعليقات: