2012/11/12

صداقة مع المرض




لا أحد يحب المرض، والمرض لا يحب أحداً لأنه لم يحكى عنه أنه كان لطيفاً مع أحد في يوم من الأيام، لذلك تبدو دعوتنا لعقد صداقة مع المرض غريبة بعض الشيء.
معظم الأمراض تكون عارضة، فلا تكاد تستغرق أياماً حتى تختفي، فنجد أنفسنا مضطرين للتعامل معها كضيف ثقيل لا بد من احتماله بإعطائه ما يطلب من أدوية،والامتناع عما لا يحب مما اعتدناه في حياتنا اليومية. وربما أرغمنا على لزوم الفراش وعدم مغادرة البيت لأيام.
لكن ما نستطيعه مع الأمراض العارضة يبدو أنه يصعب علينا اتجاه الأمراض المزمنة، إذ نجد معظم المصابين بهذه الأمراض يتعاملون اتجاه أمراضهم بروح العدوانية.فيهملون واجباتهم اتجاهها،بإهمال تناول الدواء،ويتقاضون عن إيتائها حقوقها بالامتناع عما يجب الامتناع عنه.بل نجد بعض المرضى يتجاهلون أمراضهم تجاهلاً كاملاً محاولاً إلغاء وجود المرض، الأمر الذي يؤدي إلى تمرد المرض عليه والرد على صاحبه بعدوانية أشد.
إن الأمراض المزمنة تكاد تعايش الإنسان طيلة حياته منذ ارتباطها به فلا تفارقه أبداً، لهذا يجب على المريض أن يتعود مرضه، بل ويعقد صداقة متينة معه، ويحاول فهمه بقدر كافٍ يمكٌنه من التعامل معه بسهولة، فيعرف طلبات مرضه ليعيش معه في وئام وسلام. لأن المرض صديق صعب المراس لا يمكن أن يتقاضى عن إهمالنا حقه. فمرض ارتفاع ضغط الدم لا شك يغضب من صاحبه الذي يهمل أخذ علاجه، أو يقدم على كسر نصيحة طبيبه بإقدامه على تناول الملح . فيرتفع ضغط الدم لينقر على رأس المريض بآلام حادة محذراً إياه من التهاون في واجبات الصداقة المعقودة بينه وبين المريض.وتتكرر هذه التحذيرات بقدر تكرار إهمال المريض، فإذا لم يرى المرض من صاحبه استجابة لتحذيراته عاث في الجسد دماراً، فقد يختار الدماغ يُحدث فيه نزيفاً أو يسبب ضغطاً على القلب حتى ينهكه ويقوده إلى هبوط وظائفه، وربما كانت سورة غضبه شديدة لا تهدأ إلا إذا تمدد الجسد على الفراش مشلولاً. ومرض السكر ليس غضبه على من أهمل أداء حقوقه بأهون من غضب مرض ارتفاع الضغط،، فمن تهاون في أخذ علاجه من مرضى السكر من حقن أو أقراص أو تقاعس عن التزام النظام الغذائي المناسب كان رد المرض عليه "أن العين بالعين والسن بالسن" فمقابل تمادي المريض في التحلي بالسكريات وتناول النشويات والتمتع بحلاوتها، قد يفقده المرض نعمة البصر بما يحدثه من تأثير على شبكية العين، وربما قاده إلى غنغارينا قد تفقده أحد أطرافه وربما أفقده المرض قواه الجنسية.ومرض القرحة المعدية يعطي تحذيراته بآلام مستمرة داعياً صديقة ورفيقه المريض أن ابتعد عما يثيرني من سجائر وبهارات ومسكنات وقلق.فإذا لم يستجيب المريض كان النزيف وربما الانفجار.
لكن و رغم هذه القسوة فإن المرض لا يعرف الخيانة.... إذ يندر أن يصيب المرض صاحبه بطعنة مفاجئة في غفلة منه ، بل هو يعطي التحذير تلو التحذير والإنذار بعد الإنذار صابراً أمام تعنت المريض وإهماله وتجاهله له.فإذا رجع المريض إلى صوابه واهتم بصديقه المرض، كان هذا الأخير مثال الخل الوفي، فتقاضى عما سلف وعاد صديقاً صدوقاً لصاحبه لا يؤذيه مادام قائماً بما يجب اتجاهه.
هكذا فقط نستطيع أن نعايش أمراضنا، بأن نتعرف عليها جيداً...نعرف ما يجب اتجاهها لنلتزم به كل الالتزام، لكي نتجنب لحظة ندم نشعر بها يوماً وقد قُفلت كل طرق العودة.

ليست هناك تعليقات: