2012/02/10

الفرح بنهاية عرس


الفرح بنهاية عرس

د. حمد الرقعي
اتخذ الحاج ارحيم- والد العريس ـ له مجلساَ على حجر بجانب أحد الجدران وأخذ يحصي خسائره و أرباحه بعد معركة العرس. أحصى الشياه التي ذبحت، و أجار الخيمة التي ما تزال منصوبة حتى اليوم وأجرة أسراب اللامبات التي لم توقف وميضها لا في ليل و لا في نهار، لتنبه كل مارٍ بأنه في دار الحاج إرحيم عرس، و لتهدي كل من هب ملبيا أو دب مصادفة إلى ولائم الحاج إرحيم التي لم تتوقف منذ أسبوع لا في غداء و لا في عشاء. إلا أن ما كان يشغل باله أكثر هو الديون التي كان يسجلها عليه صاحب الدكان في الحارة المجاورة الذي لا يُغفل شاردة و لا واردة، حتى الأطفال يأخذون منه البالونات و الألعاب النارية، و كله يسجل على ظهر الحاج إرحيم بمناسبة الفرح. حتى أطفال الحارات المجاورة كانوا يأخذون من المحل كل ما تلمحه أعينهم، و كله على حساب الشيخ إرحيم.
 في الليل كانت الزمزامات عند النساء، و جماعة الزكرة عند الرجال، و الغياطة في نهاية الشارع. و بانتهاء السهرة كان على الحاج ارحيم تسديد فواتير كل هؤلاء، و عليه ألا يشتط أو يراوغ في الدفع لأنهم لم يأتوا إلا إكراماً لأبنه و فرحاً لفرحه.
في أخر الليل و عندما يغادر الجميع إلى بيوتهم، يدخل الحاج ارحيم الخيمة ليأخذ قسطاً من الراحة، لكنه لم يكن ليهنأ في نومه، كما هو حال كل ليلة من ليالي الفرح، إذ تنصب الحجارة من كل اتجاه على الخيمة و البيت. حجارة يرمي بها أحد أولاد الجيران، يقال أنه كان له مأرب في العروس التي تركته و اختارت ابن الحاج ارحيم، فلم يجد هذا الشاب من خيار أمامه سوى رمي البيت و الخيمة بالحجارة رغم علمه أن ذلك لم يكن ليفيد بشيء.والحاج ارحيم لم يفعل له شيء بل و ألجم من أراد من الشباب أن يفعل له شيء، و كان تبريره أن ذلك يأتي في إطار المصالحة مع الجيران.
في مساء اليوم السادس و ربما السابع أو الثامن، خرج العريس. نظر إليهم جميعاً. نظر إلى من يغنون ومن يأكلون و من يتغامزون و إلى الأطفال يلعبون، ثم نظر إلى والده الذي كان يستند إلى أحد الجدران و يحرك أصابعه محصياً شيئاً ما.مشى بخطوات وئيدة لكنها ثابتة، توقف أمام الخيمة، و صرخ بأعلى صوته: خلاص...خلاص...انتبه إليه الجميع، أصحاب الزكرة و الغياطة و الذين انتهوا من طعامهم للتو، و الذين كانوا يتحلقون حول الكارطة، والأطفال يحملون البالونات بين أيديهم. حتى الزمزامات خرجن من خيمة النساء ليعرفن ما يحدث.
واصل بذات النبرة: العروس جبناها... و كل واحد يشقى بحياته....
في الصباح، نهض العريس مبكراً يحمل بيده كيساً أخذ يجمع به الحجارة المتناثرة حول الخيمة و أمام البيت، انضم إليه شباب العائلة - الصبّايا الذين يربطون المناشف حول رؤوسهم- و أخذوا يساعدونه في جمع الحجارة.  عندما انتهوا، التفت إليهم و قال لهم : تعلموا من الأطفال.. جميعهم ذهبوا إلى مدارسهم... أفهموها لقد انتهى العرس . من داخل البيت سُمعت زغرودة مدوية...كانت العروس تزغرد معلنة نهاية العرس، و بداية الفرح الحقيقي.

ليست هناك تعليقات: