2010/05/25

تسول ضار

الدواء حق لكل إنسان، يجب أن يحصل عليه كل محتاجٍ إليه . ولكن يجب علينا جميعاً اتباع الطريقة الصحيحة لتحصيل هذا الحق . وهذا طريق سهل ميسور ، يتمثل في الذهاب إلى الطبيب ليكتب وصفة طبية تؤخذ للصيدلي ليصرف على ضوءها الدواء المناسب ، أما ما يقوم به البعض فلا نستطيع إلا أن نعتبره تسولاً، وهو تسول من النوع الضار . فهذا شخص يمد يده للصيدلي سائلاً إياه أن يعطيه دواء . يسأله الصيدلي عن الوصفة الطبية فيجيبه بأن لا وصفة طبية لديه ، ويظل يؤكد أن شفاءه في مبتغاه .


إن طلب المريض للدواء بدون وصفة طبية صار ظاهرة نستطيع تبين مدى انتشارها بمجرد الوقوف أمام شباك إحدى الصيدليات. وحصول هؤلاء على الدواء بهذه الطريقة لاشك يمثل مشكلة كبيرة على مستوى مستعمل الدواء ، وعلى مستوى المجتمع بشكل عام ، ويمكن عرض تلخيصاً لأهم هذه الأضرار فيما يلي :

1. قد يؤدي تناول الدواء دون إشراف طبي إلى حدوث مضاعفات خطيرة . فالأسبرين الذي يعتقد البعض أنه دواء بسيط لا يمكن أن يسبب ضرراً ، حتى أن البعض لم يعد يعتبره دواءً بل يعتبره من ضمن عاداته كشرب الشاي وتدخين السجائر ، هذا الأسبرين الذي نتناوله بكل بساطة يمكن أن يؤدي باستعماله لفترة طويلة إلى مشاكل صحية كثيرة ليس أخرها قرحة المعدة .

2. لاحظت سيدة اختفاء مشكلة حب الشباب لدى إحدى صديقاتها باستعمالها لأحد الأدوية ، فبادرت هي إلى استعماله دون استشارة الطبيب ، فكانت النتيجة طفلاً مشوهاً ، فالطبيب وبكل تأكيد لم يصف هذا الدواء لصديقتها إلا بعد التأكد من عدم وجود الحمل ، فالكثير من الأدوية تحتاج قبل إعطائها لإجراء بعض التحاليل ، كالتأكد من عدم وجود حمل ، أو التأكد من سلامة الكبد ، أو لإجراء تحاليل للتأكد من قدرة الكلى على التعامل مع الدواء الموصوف .

3. استعمالك لدواء شفي به صديقك يعاني نفس اعراضك لا يعني أنه سيشفيك ، لأن كل شخص له خصوصيته عند علاجه فما يتحكم في وصف الطبيب للعلاج ليس التشخيص وحده بل هو ناظر إلى المريض كوحدة واحدة. والعوامل المحددة لما يصفه من دواء ليس تشخيص المرض وحدته فحسب، بل أن عوامل عده تحكمه عند تقريره العلاج.

4. إقبال الناس على علاج معين بكثرة ، قد يؤدي إلى تولد مناعة داخل المجتمع تُفقد هذا الدواء مفعوله المعول عليه في شفاء المرض .

غريب جداً إقدام البعض على التهام الأدوية دون استشارة طبية . البعض وبكل بساطة ينسب ارتفاع درجة حرارته إلى الالتهاب ويبادر إلى الصيدلي يطلب منه المضاد الحيوي !!!

فلتعلم إذاً أن أصغر صيدلية لا يمكن أن تحتوي أقل من مائة نوع من المضادات الحيوية ، فأي نوع تريد ؟ وكم مرة ستستعمله في اليوم ؟ وهل ستأخذه قبل الطعام أم بعده ،ومتى تتوقف عن تناوله ؟

لا تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة ، فحتى الصيدلي لا يستطيع أن يجيبك عنها ، بل حتى الطبيب لن يجيبك عنها إلا بعد أن يوقع عليك الكشف الطبي اللازم ليصل إلى التشخيص ، فإذا وجد أن مرضك سببه عدوى ما، بحث عن سبب هذه العدوى . هل هي التهاب بكتيري أم فيروسي أم هو التهاب فطري ، فإذا كان التهاباً فيروسياً فلا يجوز في مثل هذه الحال إعطاء المضادات الحيوية لأنها ستقتل البكتيريا المعششة داخل الجسم بصورة طبيعية والتي يعول عليها في المساعدة في القضاء على الفيروسات ، أما إذا كان سبب العدوى بكتيرياً صار من الضروري استخدام المضادات الحيوية . لكن المضادات الحيوية كثيرة وأنواع البكتيريا أكثر، فهذه بكتيريا لا تتأثر بهذا النوع من المضادات الحيوية ، وهذه أخرى قد اكتسبت مناعة منذ عامين ضد هذا النوع من الأدوية ، وهذه بكتيريا تحتاج لأكثر من نوع من المضادات الحيوية ، ثم أن العلاج يختلف تبعاً لمكان الالتهاب وطبيعته وحدته ، فهذا التهاب سطحي بالجلد نكتفي بالمرهم له علاجاً ، وهذا التهاب بالجلد أيضاً ولكنه أكثر انتشاراً ويمتد إلى ما تحت الجلد ، يستلزم إعطاء المريض دواء عن طريق الفم ، وهذا التهاب أوصل صاحبه لحال سيئ يحتاج علاجاً سريعاً عن طريق الوريد ليصل الدواء إلى الدم مباشرة . فإذا ما حدد الطبيب نوع العدوى والبكتيريا المسببة لها ، واختار المضاد الحيوي القادر على قتل هذه البكتيريا ، واختار الطريقة المثلى لإعطاء هذا الدواء أما عن طريق الفم أو العضل أو الوريد أو غيرها ، نظر إلى خواص هذا الدواء الذي وصفه وعين الجرعة اللازمة منه وفقاً لما يحتاجه كل كيلوجرام من وزن المريض . ثم ووفقاً لمعدل طرد الجسم لهذا النوع من الأدوية، وتبعاً لعمر المريض وحالته الصحية العامة يحدد بعد كم من الوقت يحتاج المريض لأخذ جرعة أخرى . فإذا كان المريض مسنناً ربما احتاج وقتاً أطول لطرد الدواء، وهذا يستلزم تخفيضاً للجرعة وربما كان للدواء تأثيراً على الكبد أو على الدم أو على نخاع العظام المنتج لكرات الدم ، الأمر الذي يدعو الطبيب المعالج لإجراء التحاليل قبل بدء العلاج للتأكد من سلامة هذه الأعضاء، وبعد بدء العلاج من أجل ملاحظة عاجلة لأي أثر للدواء عليها . وقبل هذا وذاك هناك أدوية لا تعطى للأطفال وأدوية لا تعطى للحوامل لأنها تسبب تشوهات للجنين، وبعضها يسبب الإجهاض ، وهناك أنواع من الأدوية لا تعطى لكبار السن وأخرى لا تعطى لمرضى القرحة وأخرى لا تعطى لمرضى السكر و…

وبعد كل هذا ينظر الطبيب إلى ما يأخذه المريض من أدوية أخرى لتجنب أي ضرر ينتج عن تفاعل الأدوية داخل الجسم ، ولا ينسى إلقاء نظرة على طعام المريض يستثني منه ما لا يتمشى مع العلاج الموصوف وما لا يتمشى مع طبيعة المرض ، ثم يحدد الطبيب مدة العلاج التي يجب ألا يوقف المريض تناول العلاج قبلها .

وبعد … هل يستمر عاقل في تسول العلاج من أبواب الصيدليات …مجنون من يتسول الدواء من جاره ، ومجنون ذلك الجار الذي يهدي الدواء لجاره .

التداوي بالأعشاب


التداوي بالأعشاب
يجب فيمن يصف الدواء أن يكون مدركاً لما يمكن أن ينتج عن تناوله من مضاعفات جانبية

"تبين اليوم أن لمعظم الأمراض علاجاً ضمن المملكة النباتية"

إن العلاج باستخدام الأعشاب الطبية هو أسلوب علاجي بات الجميع يؤمن به ويؤيده، لكن ذلك لا يعني أبداً البحث عن وصفات بين صفحات المجلات لتطبيقها ، ولا يعني كذلك أخذ ما يصفه لك أحد الجيران لتطبقه على طفلك ، وقطعاً لا يعني الذهاب لأحد مدعي الخبرة بهذا العلاج .

يرجع استخدام الأعشاب في التداوي من الأمراض إلى العصور الأولى، فأوراق البردي وقبور الفراعنة دلت على معرفتهم بالأعشاب واستخدامها كدواء ، وقدماء الهنود مارسوا هذا العلم أيضاً ، وكذلك أهل اليونان الذين اشتهر منهم أبقراط وتيوفراستوس وديسكوريدس . وجاء بعد اليونان العرب الذين برع أطبائهم في العلاج بالأعشاب وبرز منهم الرازي وابن سينا وابن البيطار وغيرهم. يقول داود الأنطاكي الذي يؤرخ لطب الأعشاب " وأول من ألف في هذه الصناعة ديسقوريدس- ويعيب عليه إهماله بعض العقاقير النباتية – ثم روفس ثم فوليس ثم أندروماخس . من بعد ذلك انتقلت الصناعة إلى أيدي النصارى ومنهم دويدرس البابلي وإسحاق بن حنين الذي عرب اليونانيات والإسحاقيات ، ثم تلاه ولد حنين ، ثم انتقلت صناعة التطبيب بالأعشاب إلى المسلمين ، وأول واضع فيها الكتب من هذا القسم الإمام زكريا بن محمد الرازي ، ثم أبن سينا رئيس الحكماء ثم ابن الجزاز وابن الدولة وابن التلميذ وابن البيطار ".

وقد بذل هؤلاء كل الجهد في سبيل زيادة كمهم المعرفي حول الفوائد الطبية للأعشاب وتكبدوا في سبيل ذلك الكثير من المشاق ، فهذا فتى من فتيان أسرة ابن البيطار في ملقة بالأندلس ، ما كاد يبلغ العشرين من عمره حتى جاب شمال أفريقيا من مراكش إلى تونس والجزائر وليبيا ليصل إلى مصر بحثاً عن النباتات في مواطنها ، دارساً لصفاتها متعرفاً فوائد كل منها . ومن مصر اتجه إلى أسيا ، فجمع ما توصل إليه من معرفة بالأعشاب في مؤلفين اولهما "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" و ثانيهما " المغني في الأدوية المفردة في العقاقير " .

البداية

إن معالم البدء في علاقة الإنسان بالنبات كعلاج ليست واضحة ، فهذه أسطورة تقول أن طبيباً إغريقياً أصيب بورم في ذراعه فكان يذهب إلى شاطئ البحر يستلقي عنده في محاولة منه لتناسي ألمه . وذات يوم اشتد به الألم وهو مستلقٍ عند ذلك الشاطئ فاقتطع نباتاً وجده بجواره وضغط به على الورم لعل إحساس الضغط يحل محل الإحساس بالألم فيمنحه بعض الراحة ، فأحس بعد وقت قصير أن الألم قد خف فداوم على فعل ذلك ليجد أن الورم قد زال بعد أيام .

وإن لم تكن البداية على هذه الصورة ، فإنها لا يمكن بأي حال إلا أن تكون قريبة منها ، فبدء العلاقة بين الإنسان واستخدامه للأعشاب كعلاج لم تكن يوريكا أرخميدس، بل هي محض صدفة كما هو الحال في الكثير من الأشياء كاكتشاف الإنسان القديم للنار ، واكتشاف كولمبس للقارة الأمريكية وغيرها .

لقد توصل الإنسان وخلال رحلته الطويلة إلى كم معرفي هائل حول استخدامات الأعشاب كعلاج ، وكتبت في هذا العلم المئات من المصنفات في شتى أنحاء العالم . إلا أنه ومع بدء الثورة الصناعية بدأ الاهتمام بالأعشاب واستخداماتها الطبية يتضآل شيئاً فشيئاً حتى كاد أن يتلاشى ، إلا في مجتمعات لم تطالها المدنية الحديثة. إلا أنه وفي وقت تالٍ تصاعدت الدعوة للتداوي بالأعشاب من جديد ، ومما جعل هذه الدعوة تحضى بالاهتمام أنها كانت تصدر عن هيئات علمية متخصصة . والسبب وراء هذه الدعوة التي تزداد الحاحاً كل يوم هو الأبحاث العلمية التي تتخذ من المنهج التجريبي أساساً لها، فقد تبين للبحاثة في هذا المجال أن لمعظم الأمراض علاجاً ضمن المملكة النباتية ، يوازي في مفعوله نظيره المنتج في مصانع الأدوية من المركبات الكيميائية.ثم إن الأبحاث العلمية تخرج علينا كل يوم بجديد عن الأعراض الجانبية التي تحدثها الأدوية المحتوية على مركبات كيميائية . هذا الجانب الذي تتفوق فيه الأعشاب الطبية أيما تفوق ، إذ يؤكد الجميع بأن الأعراض الجانبية الناتجة عن تناول الأعشاب هي أقل بكثير من تلك التي تسببها الأدوية ، من ناحيتي الحدة ومعدل الحدوث ، بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي؛ حيث أن تكلفة إعادة صياغة الأعشاب الطبية كعلاج لا تمثل شيئاً بالنسبة لتلك التي تصرف في سبيل تصنيع الدواء أو شراءه، وهذا أمر هام لا يمكن تجاهله بالنسبة للدول النامية .

لسنا هنا في مجال استعراض أفضلية التداوي بالأعشاب ، ومهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك ، نستطيع القول إن الحملة المؤيدة لاستخدام الأعشاب كعلاج قد نجحت ، وها نحن نرى الكثيرين في جميع أنحاء العالم يركضون وراء العشابين بعد أن كانوا يلهثون وراء الأطباء والصيادلة . وها هي المكتبات تمتلئ بالكتب الخاصة بالأعشاب الطبية، وهاهي دكاكين العطارين لا تكاد تخلو منها مدينة أو قرية .

في ظل هذا الوضع لم يعد المريض يجد أيما حرج في سؤال طبيبه عن فائدة نبات ما في علاج مرضه الذي جاء به، وتكون نصيحة الطبيب في العادة بضرورة تناول ما وصف له من الدواء دون الالتجاء إلى أي علاج آخر .ليس إنكاراً من الطبيب لأهمية التداوي بالأعشاب أو تنكراً لها ، فكما بينّا منذ قليل أصبح واضحاً اليوم ما يتمتع به هذا النوع من العلاج من مميزات مقارنة بالعلاج المعتمد على المركبات الكيميائية المصنعة .

مصادر المعلومات

لقد جاء هذا المريض يطلب الرأي حول استعمال نبتة محددة في علاج مرض محدد. فمن أين جاء المريض بهذه المعلومة ؟ وما مدى المصداقية التي تتوفر لمصدرها ؟

إن المعلومات المتداولة في مجتمعنا حول استعمال الأعشاب كدواء تكاد تنحصر في مصدرين اثنين :

المصدر الأول يتمثل في أشخاص يمتهنون المداواة بالأعشاب ، ورث بعضهم هذه المهنة عن أسلافه والبعض الآخر تعلمها بطريق الصدفة والتجربة . وتخرج هذه المعلومات من عند هؤلاء ناقصة – إذا سلمنا بصحتها – لتنتشر من شخص إلى آخر بعد أن يكون كل منهم قد أضاف إليها أو حذف منها وفقاً لما تفرضه حصيلته المعرفية وقدرة ذاكرته على الاختزان.

أما المصدر الثاني الذي تستقى منه هذه المعلومات فهو الكتب التي تتحدث عن استخدامات الأعشاب الطبية ، وبعض المجلات التي جعلت من طب الأعشاب –موضة- لابد أن تزين بها كل عدد من أعدادها، وتكون هذه المعلومات في أغلب الأحيان غير كاملة وغير ملمة بكل جوانب الموضوع . إذ يكون التركيز دائماً على طريقة الاستخدام والنتيجة المرجوة ، دون الالتفات إلى الأعراض الجانبية المتوقعة ، وموانع استخدام هذه الأعشاب .

نعم ... نستطيع أن ننصح المريض المصاب بفقر الدم نتيجة نقص عنصر الحديد في جسمه بأن يكثر من تناول الخضروات واللحم والتفاح لغنى هذه المواد بعنصر الحديد، ونستطيع أن نصف الليمون والحمضيات بوجه عام لمرضى الأسقربوط لغنى هذه المواد بالفيتامين " ج " ونستطيع أن نكتب مقالاً عن أهمية الألياف في غذاء المسنين، وربما ألفنا كتاباً فيما يجب أن تتناوله المرأة الحامل من طعام . فلكل مريض أغذية ننصحه بتناولها تبعاً للمرض المصاب به ، وجميع هذه النصائح تعتمد أسساً علمية ثابتة . وهذا هو ما يجب أن يراعيه كل واصف لدواء ، سواء كان ما يصفه في صورة نبات أو قرص دواء أو حتى نوع من الغذاء . وهذه الأسس تتمثل في تشخيص سليم للمرض ، وتحديد حدته وتحديد الأسلوب العلاجي المناسب، فإذا لزم لعلاجه دواء حددنا ما قد ثبتت فعاليته من الدواء لهذا المرض وفقاً لما توصلت إليه الأبحاث الطبية وليس وفقاً للنقل والإخبار ، ويجب أن نحدد التركيز الذي يأخذ به المريض الدواء وعدد مرات تناوله كل يوم وكيفية تناوله، وأخذه قبل الأكل أم بعده . كل هذا يتم بناء على خصائص الدواء الذي نصفه ، ويجب فيمن يصف الدواء أن يكون مدركاً لما يمكن أن ينتج عن تناوله من مضاعفات جانبية ، وأن يكون متأكداً من توفر العلاج اللازم لهذه المضاعفات .

من يصف الدواء

إن العلاج باستخدام الأعشاب الطبية هو أسلوب علاجي بات الجميع يؤمن به ويؤيده، لكن ذلك لا يعني أبداً البحث عن وصفات بين صفحات المجلات لتطبيقها ، ولا يعني كذلك أخذ ما يصفه لك أحد الجيران لتطبقه على طفلك ، وقطعاً لا يعني الذهاب لأحد مدعي الخبرة بهذا العلاج .

عندما تم افتتاح أول صيدلية في أيطاليا عام 1224 م أصدر القيصر مرسوماً يحصر فيه تحضير الأدوية من الأعشاب الصيادلة فقط ، على أن يحدد المعالج مقدار العلاج وكيفية استعماله.

إن التداوي بالأعشاب يجب أن يكون عند شخص متخصص ، درس فسيولوجيا الجسد وتشريحه وعرف الأمراض وأعراضها والتغيرات التي تحدثها بالجسم . بهذه الطريقة فقط يستطيع تقديم العلاج ، يدرس الأعراض التي يشكو منها المريض وعلاقة مجموع الأعراض ببعضها ليصل إلى تشخيص معين. وربما احتاج المعالج إلى مساعدة الطبيب للوصول إلى التشخيص الصحيح . ومن خلال التشخيص يتم التوصل إلى الخلل الحادث بالجسم وبالتالي اختيار الدواء المناسب له . والشخص المتخصص بطب الأعشاب وحده يستطيع تحديد الجرعة التي يحتاجها المريض وفقاً لطبيعة المرض وعمر المريض ووزنه وجنسه، وهو وحده العارف بالكمية اللازمة من النبات لتحضير الجرعة اللازمة، ووحده يعرف خصائص كل نبات والطريقة التي يحضر بها ، فبعضها يحضر في صورة مسحوق والبعض الآخر يذاب في الماء . وكل هذا يخضع لخصائص النبات ، والمتخصص في طب الأعشاب وحده يستطيع تقدير الجرعة اللازمة مما أعده من الدواء ، وبمعرفته لمعدل طرد الجسم لهذا النبات - الذي يختلف من شخص إلى آخر ومن نبات إلى نبات – بمعرفته لكل هذا يحدد المعالج المدة التي يعاد بعدها استعمال العلاج ، والمدة التي يجب بعدها عن تلقي العلاج.

ومن الدواء ما قتل

قيام البعض في الوقت الحالي بالاعتماد على العلاج بالأعشاب عند مدعيه يؤدي إلى الكثير من الأضرار ، نذكر منها على سبيل التمثيل ما يلي :

1- يعمد معظم مدعي العلاج بالأعشاب إلى استعمال النبات بكامله ، وهذا ما لا يأتيه المتخصص في هذا المجال الذي يعمد إلى استخلاص الجزء الذي يحتاجه المريض فقط. فاستعمال النبتة بكاملها سيؤدي إلى دخول جميع مكونات النبات إلى جسم المريض مما يعرضه لمواد لم يكن في حاجة إليها.

2- قد يعتمد المريض على الأعشاب مهملاً علاج الطبيب ، الأمر الذي يؤدي إلى سؤ حالته الصحية نظراً لتأخره في تلقي العلاج الصحيح عن المعالج المناسب، ونواجه خلال عملنا بالمستشفيات الكثير من مرضى السكر الذين يحضرون في حالة إغماء نتيجة اهمالهم العلاج واعتمادهم على الأعشاب ، وكم من مرضى ارتفاع الضغط انتهى بهم الأمر إلى حدوث الجلطة الدماغية أو السكتة القلبية نتيجة تركهم العلاج الموصوف لهم من قبل الطبيب والاعتماد على الأعشاب .

3- يعمد بعض مدعي العلاج بالأعشاب إلى استخدام نباتات تؤثر على مكونات الدم لدى المريض ، وتؤدي إلى إرباك فنيي التحاليل ، فتعطي التحاليل نتائج غير حقيقية ، تجعل الطبيب عاجزاً عن تقدير الحالة الصحية الحقيقية للمريض .

4- استعمال بعض النباتات من قِبل مدعي العلاج بالأعشاب قد يؤدي إلى ضرر مباشر ، وتواجهنا الكثير من حالات الثعلبة بالرأس (غياب الشعر في منطقة محدودة بالرأس ) تم علاجها لدى مدعي العلاج الطبيعي بحكها بالثوم والتخديش ، الأمر الذي يؤدي إلى قتل بصيلات الشعر لتصبح إعادة إنبات الشعر من الصعوبة بمكان .

5- إن مدعي العلاج بالأعشاب لم يتأتى لهم دراسة الأمراض النفسية ، وبالتالي فهم يعجزون عن التعرف على الأمراض النفسجسمية ( السيكوسوماتية )وهي عبارة عن أعراض عضوية ناتجة عن مشاكل نفسية تحتاج إلى استشارة أخصائي الأمراض النفسية . فتجدهم يعاملون هذه المشاكل على أنها عضوية ويحاولون معالجتها بالأعشاب .

خاتمة :

إن الشخص الذي نطمئن إليه اطمئناننا إلى الطبيب ونحن نتلقى العلاج على يديه هو ذلك الشخص المرخص له – من جهة علمية معتمدة – بمزاولة هذه المهنة ، لأنه وحده مدرك لجميع جوانب عمله متحملاً كامل المسئولية عنه، كما هو حال الأطباء الذين يعالجون مرضاهم بالأقراص والحقن .

لا تنسى قدمك لحظة فتنساها للأبد

العناية بالقدمين
لأن القدم من الأعضاء المرشحة للإصابة بمضاعفات مرض السكر ، يتحتم على مريض السكر التركيز على قدميه والعناية بهما بشكل مستمر بإتباع ما يلي:
· تجنب السير حافي القدمين حتى أثناء الذهاب من السرير إلى الحمام.
· اغسل قدميك بالمياه الدافئة والصابون يومياً و لا تستعمل المياه الساخنة واحرص على تنشيف القدمين بفوطة نظيفة ولا تنسى التنشيف بين الأصابع.
· افحص قدميك يومياً،و استعن بمرآة صغيرة لترى باطن القدم للتأكد من عدم وجود تشققات أو جروح، فإذا وجدتها فعليك التوجه للطبيب مباشرة
· ارتدى حذاء يناسب مقاسك تماما وتجنب الأحذية الواسعة أو الضيقة.
· تجنب تشقق القدمين باستعمال مرطب للجلد.
· تأكد من عدم وجود أي جسم خشن أو صلب أو مسمار بداخل الحذاء قبل ارتدائه.
· عند شرائك حذاءً جديداً لا ترتديه لأكثر من 10 دقائق يومياً حتى يصبح ليناً تماماً.
· لا تجلس بالقرب من المدفأة أو النار ولا تستعمل قربة التدفئة في الفراش.
· امتنع عن التدخين تماماً وتجنب الجلوس مع المدخنين.
· استعن بشخص آخر لقص الأظافر وتجنب قصها حتى النهاية.
· المشي ساعة واحدة يومياً لحماية الأوعية والقلب.

الاستنساخ من النعجة دولي إلى أين؟؟؟؟؟

ظلت العقول المتدبرة ـ وحتى وقت قريب ـ تعتريها الحيرة أتجاه عملية الخلق ، فتعددت النظريات حول هذه العملية متضاربة تضارباً يصل في أحيان كثيرة إلى مناقضة بعضها للبعض الآخر ، أومناقضتها لحقائق علوم أخرى ، ولم يكن لأي من هذه النظريات أن يخرج من ميدان التضارب هذا إلا بارتقائها ـ أونزولها ـ إلى مستوى الخرافة . إلا أن هذا لايعطينا حقاً في توجيه شيء من اللوم لأصحاب تلك النظريات إذا علمنا أن علم الأجنة المهتم بعملية خلق الكائنات الحية لم يتأكد وجوده إلا في العقود الأخيرة ، ولم يكن ليكتب له هذا الوجود لولا تظافر علوم عده ، كعلم التشريح وعلم وظائف الأعضاء وعلم الأنسجة وغيرها ، وجميع هذه العلوم لم نكن لنحقق في أغلبها الكثير لولا استخدامنا لأجهزة دقيقة في عمليتي الفحص والتحليل كالمجهر البسيط والمركب ، والمجهر الإلكتروني ، والموجات بمختلف أطوالها ، والتحاليل المختلفة الكيميائي منها والفيزيائي . حتى أننا لانكاد نجاوز الحقيقة كثيراً بقولنا أن الإنسان احتاج لاستخدام كل ماتوصل إليه حتى يومنا هذا من سبل المعرفة في سبيل فهم جزء يسير - لكنه هام - من عملية خلقه . ولأن العلم طريق متشعب الدروب ، تؤدي كل درب منها إلى دروب شتى - لاشك أنها توصل إلى حقيقة واحدة وقد تكون جامعة - لم يقنع العلم بمراقبة عملية الخلق والأكتفاء بمعرفة كيفياتها وتسجيل مايعتريها من هنات ، بل طمح إلى تعرف ماوراء هذه الهنات ، وسعى إلى ادراك طرق تجنبها ، فكانت الدعوة للأمتناع عن التدخين الذي ينقص وزن الجنين ويحدث به التشوهات ، ومنع تناول الحوامل لعقار الثاليدومايد لأنه يؤدي إلى ولادة أجنة مشوهة ، وكان جل من عرف بقواعد هذا العلم من دعاة مناهضة انتشار أسلحة الدمار الشامل لأن نساء هيروشيما ونجازاكي مازلن يلدن أطفالاً بتشوهات خِلقية شتى . وخلال مسيرته القصيرة في عمرها ، العظيمة فيما أنجزت ، كان هذا العلم يحقق للإنسان مالم يكن يتوقع منه ، فأتاح أنواع شتى من علاجات العقم ، وطرق أكثر لمنع الحمل ، وأتاح الاخصاب داخل أنابيب المختبرات ، ثم خرج علينا أخيراً باستنساخه للنعجة دوللي ، ليضع أمامنا نظرية استنساخ الإنسان . هذه النظرية التي تطرح آمالاً تشبه الأحلام بأن يتيسر للإنسان أن ينسخ نفسه كما ينسخ المستندات ، وبذات الطريقة التي تنسخ بها الأميبا نفسها ، فمايجري في المعامل اليوم يمني من قضى العمر في جمع المال بنسخة جديدة يتمتع من خلالها بماله ، وتعطي ذات الآمال لمريض الأيدز بالأستمرار في نسخة أخرى منه حتى يتوفر العلاج لمرضه ، وبالاستساخ تستطيع الأمم أن تستعيد أبطالها بأيجاد نسخ من أجسادهم. فهل ستتحقق عودة هتلر ليسترد ثأره من خلال حرب عالمية أخرى ؟. وهل سيظهر إينشتين جديد ليضيف بعداً آخر لم يظهر بعد ؟ وهل يمكن للإنسان أن يحقق خلوده بأخذه نسخة من كل من قارب نهايته من بني جنسه .
آليات التكاثر:
تتعدد آليات حفظ النوع لدى الكائنات الحية وتختلف ، فنجد أنواع عده تتكاثر بذات الطريقة ، ونجد النوع الواحد يتخذ أكثر من طريقة ، يعتمدها أسلوباً لتواصل حياة بني جنسه ، أما الإنسان فقد حافظ ـ وحتى هذا الوقت ـ على التكاثر الجنسي وسيلة وحيدة لحفظ نوعه ، وذلك بإخصاب البييضة بواسطة الحيي المنوي لتحفيز البييضة الساكنة لتستأنف سلسلة انقسامات محددة منذ لحظات الخلق الأولى . تبدأ البييضة المخصبة في الأنقسام ، فتنقسم إلى جزئين لتكون خليتين لكل منهما نواتها الخاصة بها ، ثم تنقسم كل من هاتين الخليتين انقساماً آخر لتنتج كل منهما خليتين ، فيصبح المجموع أربع خلايا ، وهذه الأربع تنقسم كل منها على حده لتظهر ثمان خلايا جديدة وهذه الثمان تنقسم فتكون ست عشرة خليه وهكذا... لنجد سيتوبلازم الخليه وقد تقسم إلى عدد كبير من الخلايا الصغيرة التي تتراص بجانب بعضها البعض فتظهر لنا تحت المجهر وكأنها كتلة من فقاعات الصابون . خلال هذه الأنقسامات لايحدث أي نمو لهذه الخلايا ، فكل مانلحظه هو الأنقسام تلو الأنقسام فقط ، وكأن الخلية قد أعارت كل قواها لهذا الأنقسام ، فهي تضحي بنموها وزيادة حجمها في سبيل إنتاج فرد جديد . البداية دائماً متواضعه: قام عالم الأجنة الألماني سبيمان HANS SPEMAN بتجربة ربط فيها شعرة حول بييضة سمندل الماء قبل بدء الأنقسام فيها بحيث كادت تلك الشعرة تقسم البييضة إلى جزئين لكنه كان شديد الحرص على ألايحدث ذلك فأدى هذا الى أن كان للبيضة نصفين ؛ نصف به النواة تسبح في السيتوبلازم بينما النصف الآخر هو عبارة عن سيتوبلازم لانواة فيه ، ثم تُركت البييضة لتبدأ أنقسامها ، فكان الأنقسام في ذلك الجزء المحتوي على النواة دون أن يحدث في الجزء المحتوي على السيتوبلازم وحده . إستمر الانقسام في الجزء المحتوي على النواة حتى تكون بهذه الانقسامات المتكررة 16 خلية ، عند ذلك شُدت الشعرة فضغطت البييضة لتنقسم الى نصفين ؛ نصف يحتوي جُل النواة (15جزء من أصل ستة عشر جزء) ونصف لايحتوي سوى جزء واحد من أصل ستة عشر جزء . واستمرت مراقبة البييضة فكانت النتيجة أن تكون في كلا النصفين جنين كامل واحد تكون من جُل البييضة والآخر تكون من جزء واحد من 16 جزء من البييضة ، فدل هذا على أن كل جزء من الستة عشر جزء يحوي ذات المكونات وإلا لما تكون جنين كامل من كليهما. لكن الملاحظة الأغرب كانت أن يحدث في بعض الأحيان أن يعجز النصف المحتوي على النواة عن أن يكون جنيناً بينما النصف الذي لايكتسب نواة إلا متأخراً يتكون منه جنيناً كاملاً. فتكون الجنين إذاً يحكمه شيء آخر خلاف وجود النواة ، وبتكرار التجربة استبان ذلك للباحث ولم يكن غير مساحة صغيرة خالية من أي صبغة تشبه الهلال في شكلها، ولاثبات أهمية هذا الفراغ الهلالي قام سبيمان بتجربة أخرى راعى فيها هذه المرة أن تقسم الشعرة البييضة إلى جزئين تكون النواة في أحدهما ويكون الفراغ الهلالي في الجزء الآخر ، وكانت النتيجة مذهلة ؛ إذ تكون جنيناً في النصف المحتوي على الفراغ الهلالي ، بينما لم يتكون جنيناً في ذلك الجزء من البييضة المحتوي على النواة . يظهر واضحاً من هذه التجارب أن تكون الجنين لم يكن معتمداً على وجود النواة أو عدمه ، بل أن مايحدده كان شيئاً آخر في سيتوبلازم البييضة ، فتطور الجنين بصورة طبيعية يعتمد على وجود مادة في السيتوبلازم ، وبالتحديد - وفقاً للتجارب السابقة - في الفراغ الهلالي . فالبييضة إذاً تنقسم بعد إخصابها إلى مجموعة خلايا لتحتوي كل خلية من هذه الخلايا جزءً من نواة البييضة وجزء من سيتوبلازم البييضة أيضاً ، وتكون أنوية الخلايا متشابهة لأنها وكما تبين لنا مماسبق قدرة كل منها على أن يكون جنيناً ، لكن هذه الخلايا تختلف فيما تحتويه من سيتوبلازم البييضة ، وهذا الأختلاف هو الذي يعطي صفة التمايز للخلايا المتكونة فمنها مايتمايز ليكون القلب ومنها مايكون الأوعية ومنها مايكون الدماغ وهكذا ... ويتحقق هذا التمايز بما تفرضه مادة السيتوبلازم على النواة بتأثيرها على محتواها الوراثي فتُظهر منها ماتشاء وتخفي ماتشاء . إن الانقسامات المبدئية في البييضة تحدث بمعزل عن الجينات التي تحتويها نواتها أي أن محتويات نواة البييضه من المورثات لاتلعب أي دور في بدء الأنقسام بها بل أن هذا الانقسام يتم بقيادة مباشرة من معلومات تتكون في البييضة خلال نموها . وهذه المعلومات لاتوجد في نواتها بل هي في القشرة Cortical Layer . وتكون أوامر الأنقسام قابلة للتحويل والتعديل في بداية الأنقسام ، إلا أنه بعد عدة أنقسامات وحين تتفتت القشرة بين عدد كبير من الخلايا تفقد هذه القشرة هذه الخاصية وتصبح مقيدة ببرنامج محدد غير قابل للتعديل ، هذا البرنامج هو الذي يعطي ميزة التميز للخلايا المختلفة فهذه تنقسم في أتجاه تكوين الدماغ وتلك يأخذ أنقسامها أتجاه تكوين العظام وهذه خلية تحمل برنامج تكوين العضلات ، وهكذا ... فنواة كل خلية من الخلايا المتكونة تحتوي العديد من المعلومات الوراثية التي يمكن أن تجعل الخلية تتطور في أتجاهات مختلفة ، لكن كل خلية لاتأخذ إلا طريقاً واحداً ، فهذه تتميز الى خلية عصبية مع أنها تحتوي المعلومات الوراثية التي تمكنها من أن تكون خلية من خلايا القلب أو خلية من خلايا العضلات ، لكن هذه الخلية بإهمالها معلوماتها الوراثية الأخرى ( التي تجعل منها شيئاً آخر غير الخلية العصبية ) هو ماجعلها تصبح أحد خلايا الجهاز العصبي . فكل خلية من الخلايا الناتجة عن أنقسام البييضة تملك نواة ( تحتوي ذات خصائص البييضة المخصبة ) هذه النواة تسبح في سيتوبلازم يمثل جزء مشتق من سيتوبلازم البييضة ، وسيتوبلازم كل خلية يختلف عن ذلك الخاص بشقيقتها الأخرى بينما نواة كل خلية تشبه الأنوية التي تحتويها شقيقاتها من الخلايا ، فمحتويات النواة تضاعف نفسها قبل أنقسام الخلية بواسطة الأنقسام الفتيلي Mitosis ( تنقسم النواة إلى قسمين ويضاعف كل من هذين القسمين نفسه ليذهب كل قسم في جزء من الخلية عند انقسامها ) بينما ينقسم السيتوبلازم فيصبح بكل خلية جديدة جزء منه ليكون محتوى كل خلية مختلف عن محتوى غيرها ؛ فكأني أملك ورقة وأنت لاتملك مثلها فطلبت مني أن نتساوى في أمتلاك الورقة ، وهنا لدينا طريقتين لنتساوى ؛ فيمكن أن أنسخ نسخة أخرى من هذه الورقة لأعطيها لك وبذلك يصبح لدى كل منا ذات الورقة ( وهذا مايحدث للنواة فهي تضاعف نفسها قبل الأنقسام ) أما الطريقة الأخرى فهي أن أقطع الورقة إلى نصفين فيبقى لدي النصف العلوى وتأخذ أنت النصف السفلي فهما مختلفان لأن أحدهما العلوي والآخر السفلي ( وهذا مايحدث لسيتوبلازم البييضة عند أنقسامها إلى خليتين ) .وينتج عن هذا خروج خلايا إلى الحياة متشابهة في تركيب أنويتها مختلفة فيما تحتوي من السيتوبلازم . فالخلية اللبنية ووفق ماتحتوي من السيتوبلازم أهملت ماتحتويه نواتها من جينات كانت ستجعل منها خلية عضلية وأهملت الجينات التي كانت ستجعل منها خلية جنسية وأهملت تلك التي كانت ستجعلها أحد خلايا الغدة الدرقية أو أحد خلايا اللسان ؛ باختصار أهملت كل الجينات التي تحتويها نواتها ولم تختر سوى تلك الجينات التي تجعل منها خلية لبنية تستقر في الثدي وتفرز الحليب . فالخلية هنا إختارت أن تكون خلية لبنية . لكن لماذا أرادت أن تكون كذلك ؟ لأنها إستنتجت أن تركيبها يوافق هذا الغرض وهذا الاستنتاج جاء بناء على مايحتويه سيتوبلازم هذه الخلية . فهذه الخلية إذاً أرادت بناء على مااستنتجت من استنتاجات ، سندها ماإحتوته من معلومات من السيتوبلازم . فالخلية لها إرادة ولها القدرة على الاستنتاج بناء على تذكرها لما تحفظ ، فهي مالكة لمقومات العقل بقدر يجعلنا نثبت لهذه الخلية صفة العقل ، وإن كان بقدر يختلف عن غيره من العقول إلا أنه مالك لجميع أدواته من الإرادة الى الإدراك و الإستنتاج الى الذاكرة . فالخلية إذاً تختار جزء من مكونات نواتها من الذخيرة الوراثية وتتجاهل جلها . فما الذي يحدث لما تتجاهله من معلوماتها الوراثية ؟ هل يتلاشى ؟ أم ينتقل إلى خلية أخرى أم أن الخلية تظل محتفظة به في نواتها؟ منذ عام 1952 أجريت العديد من التجارب التي استهدفت بيان هذا ، وقد إعتمدت هذه التجارب على الطريقة التي استحدثها العالمان كيونغ وبريغس R. Briggs & T.J.King لإستخلاص نواة البييضة قبل تخصيبها بطريقة جراحية ( بعض التجارب إعتمد أسلوب منع نشاط هذه النواة بواسطة الأشعة فوق البنفسجية ) ، وماتم في هذه التجارب هو سحب نواة بييضة ضفدعه قبل إخصابها ووضع مكانها نواة أحد خلايا جنين ضفدعة في مراحل تطوره الأولى ، وكانت نتيجة مثل هذه التجربة تولد جنين ضفدعة جديد في 80% من التجارب التي أجريت . وفي تجارب لاحقة لم يتم أخذ النواة من خلية جنين ، بل استعيظ عنها بنواة أحد خلايا الأمعاء التي أكملت نموها وتميزها وصارت خلية معوية متميزةDifferentiated Cells وكانت النتيجة تكون جنين كامل رغم أن النواة الموضوعة في البييضة هي نواة خلية معوية ماعادت تؤدي غير وظيفة تخصصية ولاتأبه من تكوينها الوراثي سوى بذلك الذي يخدم وظيفتها كأحد خلايا الأمعاء . لكن تكون الجنين بطريقة سليمة بواسطة زرع هذه الخلية دل على أن هذه الخلية قد تراجعت إلى الوراء لتحقق الأستفادة من كل مخزونها الوراثي لتخلق به جنيناً كاملاً ، وماكان ليتأتى لها هذا لو أن هذا المخزون من المادة الوراثية قد فُقد أواعتراه شيء من الفساد ، فمثل هذه التجربة يدل على أن المادة الوراثية لهذه الخلية لم تُفقد، بل تم تعطيلها إلى حين للأكتفاء بذلك الجزء الذي يوجهها كخلية معوية ، لكن وعندما طالت هذه الخلية أوامر جديدة بوضعها في البييضة ( أوامر قادمة من سيتوبلازم البييضة ) أعادت الخلية التفتيش في ذاكرتها لتستعيد كل مخزونها الوراثي لتستخدمه في تكوين جنين كامل ، فالمخزون الوراثي لهذه الخلية لم يفقد ولم يدمر عندما كانت مكتفية بكونها خلية معوية بل إنه كان في حالة سكون ، ولم يكن النشاط ليطال غير ذلك الجزء الموكل بأداء وظائف الخلية المعوية . فنشاط أي خلية يعتمد على أي من جيناتها يكون في حال نشاطه ، وهذه العملية هي عملية ديناميكية إذ تتغير الجينات النشطة لتنتقل صفة النشاط من جين إلى آخر داخل الخلية النامية وفقاً لتدرج نمو الخلية ، ففي أي لحظة يوجد بكل خلية قدر معين من جيناتها في حالة نشاط بينما يسكن باقي ماتحتوي من جينات ، ويتغير هذا النشاط وفقاً لنمو الخلية الذي يحدث نتيجه فعل الجين النشط فيها . لكن السؤال القائم هو: مالذي يحكم هذه الجينات ، ومالذي يجعل هذا الجين ينشط في هذه اللحظة من تطور الخلية بينما يغط باقي الجينات في سبات ؟ إن هذه السيطرة تأتي من سيتوبلازم الخلية ، وقد أثبتنا فيما سبق أختلاف الخلايا الناتجة عن انقسام البييضة في محتواها من السيتوبلازم ، فالسيتوبلازم هو الذي يقرر نشاط جين ما وخمود باقي الجينات ووفقاً لهذا التمييز يحدث التمايز في الجنين ( تميز خلاياه إلى الأعضاء المختلفة الشكل والوظيفة ) ، فالسيتوبلازم في ناتج الانقسام المبكر ( الخلايا الناتجة من الانقسامين الأول والثاني للبييضة ) يوجه انقسام الخلايا بتحفيزه بعض الجينات التي كانت في حالة خمود ، وتكون البداية بانتاج كمية بسيطة من الحمض النووي الناقل داخل النواة ليعبرمن خلال الغشاء النووي ( المحيط بالنواة ) ليصل الى السيتوبلازم حيث يعمل على بناء بروتينات جديدة ، يكون بناءها خطوة في نمو الخلية وكذلك يُحدث تغيرات في سيتوبلازم الخلية تحفز مزيداً من الجينات لتنهض من سباتها وتساهم في تطور الخلية وتمايزها في الطريق المرسوم لها . إذا أخذنا بييضة لارنب ماتزال في بداية أنقسامها وأخذت منها خلية واحدة ، أمكن إنتاج أرنب كامل من هذه الخلية ، أما إذا تركت هذه الخلية ضمن مجموع الخلايا الأخرى فإن الخلية التي اخترناها لن تكون إلا جزء واحد من كامل الكائن الحي الوحيد الذي سيتكون من هذه الخلية . فالخلية الواحدة الناتجة عن انقسام البييضه تملك مُنظِمات تكوين الكائن الحي كاملاً في حال إجبارها على النمو وحيدة بينما يقودها ماتملك من هذه المنظمات لتكوين أحد أجزاء الكائن الحي في حال وجود خلايا أخرى معها ، فاختيار الجينات التي يتم تحفيزها لايعتمد على تحكم الخلية وحدها ، بل أن هناك تنظيماً شاملاً يحكم عملية تطور الخلايا ككل، ويجعل الخلايا المتجاورة تتفاعل بطريقة تقودها لتكوين كائن كامل ، وذلك بالتحكم في جهازها الوراثي الذي يتحكم بالتالي بتمايز الخلايا إلى أعضاء مختلفة . فالجينات تحدد التتابع الذي تتخذه الأحماض الأمينية لتكون البروتين ، وأختلاف التراتيب التي تتواجد بها هذه الأحماض هو مايحدد الصفات الوراثية للكائن الحي . إلا أن مسألة نمو الكائن الحي ليست بناء البروتينات في الخلية المناسبة ، في الوقت المناسب وحسب ، إنما هو هورموني وتناسق بديع يسير وفق خطة لايمكن لها إلا أن تكون موضوعة سلفاً ، فأعصاب باطن قدمك التي تمتد لأكثر من متر لايمكن أن تكون قد قادتها الصدفة أوسيرتها طبيعتها الخلوية بل هو برنامج محدد ، يسير وفقه هذا العصب ماراً بين عضلات مختلفة ليصل أقصى نقطة في الجسد . فالجسد ينمو ويتطور بنمو خلاياه وهذه الخلايا تنمو بالتغير المستمر الذي يسير وفق برنامج محدد ، أداة تنفيذه ال DNA والبرامج الوراثية التي تخضع بدورها لنظام محكم يفوقها ويسيرها والذي لم نستطع إدراك كنهه بعد ، فهذه البرامج الوراثية وبكل ماتقوم به من دور في تشكيل الكائن الحي ليست سوى ترانزستور يشكل الكائن الحي ليظهره بصورة موافقة لتلك المستقرة في عالم الأرواح أوتلك المرسومة في حقله المورفوجيني وفقاً لنظرية العوامل المورفوجينية التي قال به العالم الروسي الكسندر غارويتشي سنة 1922 . إن ماجرى على بييضة الأرنب تأكد عدم سريانه على كل الكائنات الحية ، إذ أن فصل أحد الخليتين الناتج عن الانقسام الأول لبييضة الدودة الحلقية وحضانتها في الظروف المناسبة لها لم يحقق نمو دودة حلقية كاملة ، ولم ينتج عن حضانتها سوى تكون جزء بسيط من الجنين لم يكن بكافٍ لبدء الحياة ، والسبب في هذا راجع الى احتواء هذه الخلية على معلومات توجيه ثابتة إكتسبتها من الخلية الأم المنقسمة عنها ، ولاتملك هذه الخلية إلا السير وفق هذه الأوامر مهما كانت الظروف التي تمر بها ، حتى وإن كانت هذه الظروف وضعها بعيداً عن غيرها من الخلايا ، الأمر الذي لاينتج عنه إلا تكوين جزئي للجنين ، فالإنقسام في هذا النوع من الكائنات محدد . أما الإنسان فتجدنا نقول بحرية إنقسام خلاياه Indeterminate فكل خلية من خلايا الجنين الناتجة عن انقسام البييضة تحتوي بداخلها معلومات وراثية ، تجعل هذه الخلية تنمو لتكون أحد أعضاء الجنين ؛ فهذه خلية تحمل برنامجاً يجعلها تكون خلايا الدماغ وهذه أخرى تحمل أسس تكوين الجهاز الهضمي وهكذا ... فكل خلية تتطور لتكون العضو المسخرة لبناءه ليكون مجموع الخلايا وتحت سيطرة البرنامج المحدد الذي تحدثنا عنه منذ قليل الجنين الكامل .لكن ماذا سيحدث لو إنفصلت أحد هذه الخلايا عن شقيقتها ؟ هل ستكون نصف جنين؟ ذلك مالانراه . بل إن الواقع يرينا عكسه فالتوائم المتطابقة التي تقابلنا كثيراً ليست غير تطبيق طبيعي لتقنية فصل الخلايا فورأنقسام البييضة ، ففي أحوال الحمل العامة تنقسم البييضة إلى خليتين ، ثم يستمر انقسام هذه الخلايا لتتمايز فيما بعد إلى أعضاء مختلفة لتكون جنيناً واحداً . أما في حالات التوائم المتطابقة فمايحدث بعد انقسام البييضة هو انفصال الخليتان الناتجتان لتنمو كل منهما على حده وتبدأ تنفيذ البرنامج الوراثي لإنشاء قاعدة جنين كامل بواسطة الانقسامات المتكررة ، وتكون النتيجة جنينين متشابهين . الاستنساخ في حياتنا : تشاركنا حياتنا الكثير من الكائنات الحية التي لاتظهر لنا إلا بتعمدنا البحث عنها ، ومن هذه المخلوقات كائن مجهري وحيد الخلية يدعى الأميبا ، يعيش في مياة المستنقعات فيلتقط مايجد فيها من مواد عضوية يحصل منها على الطاقة اللازمة ويدعم بها بناء جسده ، فيزداد حجم الأميبا حتي تطال حجماً معيناً لاتستطيع بعده الاستزادة ، فتنقسم الأميبا إلى خليتين يحتوي كل منهما ذات العدد من الكروموسومات ( المورثات ) ، فالأنقسام هنا لم يستلزم وجود جنس مقابل من الكائن الحي ، أي أنه تم بدون الحاجة إلى وجود ذكر وأنثى من الأميبا، فمجرد أنقسام الخلية أنتج خليتين جديدتين تتمتعان بكامل صفات الكائن الحي، بما فيها التكاثر بذات الطريقة . أما في النباتات والحيوانات فإن حياتها تكاد تكون مستحيلة بدون استنساخ خلاياها بواسطة الانقسام ، إذ أن هذه هي الطريقة الوحيدة لاستمرار نموها ، بل هو لازم لاستمرار حياتها . فالإنسان ينشأ بانقسام خلية واحدة العديد من الانقسامات لتشكل مليارات الخلايا ، ويستمر استنساخ الخلايا في الإنسان طوال حياته لتعويض مايبلى من خلاياه ، إذ يفقد الانسان كل يوم % من مجموع خلايا جسده ، ولو لم يتأتى له تعويض هذه الخلايا لتلاشى خلال أيام . فهذه كريات الدم الحمراء لاتعيش الواحدة منها لأكثر من 120يوماً ، ومايبلى من هذه الخلايا يعوضه الجسد باستنساخه لخلايا جديدة تحمل ذات الصفات ، ومئات خلايا الجلد التي تتلاشى كل يوم يتم استنساخ خلايا أخرى مكانها ، وكذلك الخلايا المبطنة لتجاويف الجسد ، فتعويض هذه الخلايا المفقودة بذات الطريقة (الاستنساخ) تضمن للإنسان أن يعيش رغم فقده لآلاف الخلايا كل يوم . التكاثر بلا تزاوج: الاستنساخ وإن كان يعتمد نوعاً خاصاً من المزاوجة ، إلا أنه لايحتاج في سبيل تحققه لإتمام مراسم الزواج السائده عند الإنسان والحيوان وحتى بعض الكائنات المجهرية . فالإنسان قد حافظ ـ وحتى هذا الوقت ـ على التزاوج كوسيلة لابد منها لإنتاج كائنات جديدة، وكانت الطبيعة سنداً له في ذلك فلم تشذ عن هذه السنة إلا في حالات نادرة كان يقصد من وراءها الإعجاز الإلهي . إلا أن هذا لم يكن حائلاً لاستنساخ كائنات حية عن غير هذا الطريق ، ولم يكن في هذا أيما تحدٍ ، لأن الطبيعة ذاتها كانت تسمح بالتكاثر بوسائل شتى لأنواع مختلفة من الكائنات ، فالتكاثر العذري واللاجنسي والأنقسام البسيط كلها اشكال مثبتة تضمن التكاثر دون اللجؤ إلى الثنائية التقليدية وضرورة الإخصاب . بل أن أجسامنا ذاتها تعتمد هذا الاسلوب بشكل دائم ومستمر ، فخلايا الجلد تهتري منها المئات كل يوم فتتجدد باستنساخ نفسها ، والكبد إذا فني بعض من خلاياه أعاد ترميمها دون الحاجة إلى أي اخصاب ، وكذلك خلايا العضلات وخلايا العظام ، وأي خلية من خلايا جسدك لك أن تتصور لها القدرة على نسخ نفسها ، حتى يطال تفكيرك خلايا الدماغ ، عندها سنضطر لدعوتك للتأمل معنا ... إذ أن خلايا الدماغ وحدها غير قابلة للتجديد فمايموت منها لايعوضه شيء ، بل إن أنقسامها يتوقف منذ الأشهر الأولى لنمو الجنين ، ولنا في هذا الموضوع وقفة أخرى نرجو أن تتحقق . هل يحقق الاستنساخ الخلود: في إحدى التجارب أُخذت خلية من نسيجها ، ووضعت في إناء به سائل مغذي مناسب لطبيعة الخلية ومشابه للوسط الذي كانت تعيش فيه ، فحدثت بهذه الخلية انقسامات عده . أُخذت واحدة من الخلايا الناتجة عن هذه الانقسامات ، وفصلت وحدها في إناء آخر به ذات السائل المغذي لتواصل انقسامها ، فانقسمت هذه الخلية بدورها عدة انقسامات ثم توقفت،أخذت خلية من ناتج الانقسام هذا وفصلت بذات الطريقة السابقة ، فمرت هذه الخلية هي الأخرى بعدد من الانقسامات ثم توقفت . لوحظ من هذه التجربة أن عدد الانقسامات التي تمر بها كل واحدة من الخلايا السابقة يتناسب مع عدد الانقسامات التي شهدتها الخلية الأم والتي كان من نتاج انقسامها الخلية الحاليه موضع التجربة ، وكأن عمر كل خلية من هذه الخلايا محدد بعدد من الانقسامات تمر بها ثم تنتهي ، ولوحظ كذلك وجود علاقة بين عددالانقسامات التي تشهدها الخلية وعمر الكائن المأخوذة منه هذه الخلية ، فالخلية المأخوذة من جنين انقسمت 50 مرة قبل توقفها عن الانقسام ، والخلية المتأتية من شخص بالغ انقسمت 30 مرة وتلك القادمة من الكهل لم يتجاوز عدد انقساماتها 20 انقساماً ، ويتوقف عدد الانقسامات على متوسط عمر الكائن كذلك إذ مرت خلية أُخذت من السلحفاة بعدد114 انقساماً قبل توقفها، ونعلم جميعاً أن السلاحف من الكائنات المعمرة التي يتجاوز عمرها المائة عام . وكانت أفضل الخلايا التي أُعتمد عليها في عمليات الاستنساخ تلك المأخوذة من الأجنة ، أما تلك التي ترجع الى أجساد بالغة فكانت تعترضها معوقات كثيرة تمنع تطورها الى أجنة كاملة، وذلك راجع إلى أن جميع خلايا الشخص البالغ قد استهلكت جُل مقدرتها على الانقسام خلال حياتها ضمن جسد صاحبها ، فلم يعد مقدراً أمامها سوى عدد محدود من الانقسامات ، لايكفي لبناء كائن جديد ، كما أن التعرض لمدة طويلة ( عمر الانسان المأخوذة منه الخلية ) للعديد من العوامل الفيزيائي منها والكيميائي ، لايمكن إلا أن يكون قد خلف حيوداً في البرنامج الوراثي للخلية مما يعيق قدرتها على الانقسام . فالاستنساخ إذاً يستلزم خلايا قادرة على الانقسام ، ولها رصيد جيد من القدرة عليه ، وفي هذا كامل الرد على من يظن بالاستنساخ قدرة على تخليد الانسان ، لأن الاستنساخ ليس إعادة الانسان في ثوب جديد ليعيش حياة جديدة . بل إن مايتولد من بالاستنساخ هو كائن أخر لايمت للكائن الأول سوى بصفة الأبوة والأمومة معاً ، ومشابهته له من الناحية المورفولوجية، أما غير ذلك فهو كينونة أخرى لها روحها المستقلة ، وربما لها حقولها المورفوجينية الخاصة بها . والقول باستنساخ الموتى ، لاشك أنه تنطع بالقول ، فعودة الموتى بعث ، والبعث بيد الله لم يسلم مفاتيحه لأحد ، فبالموت تموت الخلايا ، والاستنساخ لايمكن له أن يتعامل إلا مع ماهو حي ، حتى وإن كان هذا الحي دقيقاً لانراه . وحتى إن تسنى لنا أن نستنسخ خلية من جسد في المراحل الأولى لوفاته ، فليس من المنطق في شيء أن نعتبر هذا المستنسخ هو ذات الميت ، بل هو كينونة جديدة لها روحها الخاصة بها وحقولها المورفوجينية كذلك . آفاق جديده : ماتزال هناك الكثير من العقبات التي تقف حجر عثرة في طريق حرب الإنسان مع المرض ، ولأن الإنسان لما يضع أسلحته بعد ، فإن الاستنساخ يفتح له أبواباً جديدة في هذا المجال ، وبتآزر علم الوراثة الذي قُطع فيه شوطاً لابأس به حتى الأن مع الاستنساخ الذي لم تبان تطبيقاته بعد يمكن أن يتأمل الإنسان الكثير من المستقبل ، فعلم الوراثه وصل الى معرف أسرار بعض الأمراض الوراثية ، وتمكن من تحديد الجينات المعطوبة ، لكنه ظل محتاراً في ايجاد الحل المناسب ، وبظهور الاستنساخ يمكن أن نأمل بإمكانية استبدال أنوية الخلايا المصابة بالخلل الجيني بأنوية سليمة مستخلصة من خلايا نفس المريض ، لتتكاثر هذه الخلايا الجديدة حالة محل الخلايا الغير سليمة ، وبهذه الطريقة يمكن أن نتجاوز عمليات الرفض التي قد تعترض بعض حالات نقل الأعضاء . ويمكننا زرع أنوية مستخلصة من خلايا الإنسان ضمن خلايا أي كائن آخر كالبكتيريا مثلاً لحثها على إنتاج أى مادة نحتاجها في علاج الحالات المرضية كالهرمونات أوالأنزيمات ، فيكون هذا الهورمون أو الانزيم مشابهاً تماماً لما ينتج في جسم الإنسان . وغير هذا كثير من التطبيقات التي يمكن أن تطالها يد العلماء كل في تخصصه ، بمجرد أن يثبت هذا القادم الجديد أقدامه على الأرض . إن كل اختراع أواكتشاف علمي لاشك يمنحنا خطوة تالية إلى الأمام على درب المعرفة الشامله ، أما الاستنساخ فلاشك أنه سيكون الخطوة التي أوصلتنا إلى قمة الهرم لتُظهر لنا دروباً كثيرة ظلت مهملة طيلة الأزمان الماضية .